عليهم فحينئذ يصير ذلك فتنة في حقّهم. أو يكون المراد من الفتنة الامتحان والاختبار فإن هذا شيء بعيد عن العرف والعادة. وإذا ورد على سمع المؤمن فوض علمه إلى الله وإذا ورد على الزّنديق توسل به إلى الطّعن في القرآن والنبوة. ثم إنه تعالى وصف هذه الشجرة بصفات الأولى قوله : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) قال الحسن : أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
الصفة الثانية قوله : «طلعها» أي ثمرها سمي طلعا لطلوعه (١). قال الزمخشري : الطّلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها إما استعارة لفظية أو معنوية (٢) ، قال ابن قتيبة : سمي طلعا لطلوعه كلّ سنة (٣) فلذلك قيل : طلع النخل لأول ما يخرج من ثمره.
قوله : (رُؤُسُ الشَّياطِينِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه حقيقة ، وأن رؤوس الشياطين شجرة معينة (٤) بناحية اليمن تسمى الأستن قال النابغة :
٤٢١٣ ـ تحيد عن أستن سود أسافلها |
|
مثل الإماء الغوادي تحمل الحزما (٥) |
وهو شجر منكر الصورة سمّته العرب بذلك تشبيها برؤوس الشياطين في القبح ثم صار أصلا يشبه به. وقيل : الشياطين صنف من الحيات ولهن أعراف قال :
٤٢١٤ ـ عجيز تحلف حين أحلف |
|
كمثل شيطان الحماط أعرف (٦) |
وقيل : شجر يقال له : الصوم ومنه قول ساعدة بن جؤيّة :
٤٢١٥ ـ مؤكّل بشدوف الصّوم يرقبها |
|
من المعارب مخطوف الحشا زرم (٧) |
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) الكشاف ٣ / ٣٤٢.
(٣) انظر : غريب القرآن له ٣٧٢ وتأويل المشكل له أيضا ٣٠٢ وانظر : القرطبي ١٥ / ٨٦.
(٤) في السمين : شجر بعينه ووصفه اللسان بذلك ولم يحدد مكانه.
(٥) من البسيط وهو له يصف ناقة تعدل في سيرها وتبعد عن هذا الشجر كأنها خائفة منه والأستن ـ كما جاء في اللسان ـ شجر يفشو في منابته ويكثر وإذا نظر إليه الناظر من بعد شبههه بشخوص الناس ولذلك يسمى برؤوس الشياطين. انظر اللسان : «س ت ن» ١٩٣٦ والدر المصون ٤ / ٥٥٦ وكامل المبرد ٣ / ١٩٣ ، وديوانه (٦٥).
(٦) رواية البيت هنا كما في البحر المحيط ٧ / ٣٦٣ والدر المصون ٤ / ٥٥٧ ورواه الفراء في المعاني : عنجرد تحلف ... إلخ. والحماط : شجر تألفه الحيّات ، وأعرف : ذو عرف والمراد بشيطان الحماط : الحية التي تسكنه. يهجو امرأته بأنها عنجرد أي عجوز شمطاء وهي خبيثة وداهية تشبه تلك الحية التي تسكن هذا الشجر. والشاهد : إطلاق العرب لفظ الشيطان على نوع معين من الحيات. بقي أن أقول : إن البيت من تمام الرجز ولم أعرف قائله. وانظر : معاني الفراء ٢ / ٣٨٧ واللسان عنجرد ٣١٢٣ والدر المصون ٤ / ٥٥٧ والبحر المحيط ٧ / ٣٦٣ والقرطبي ١٥ / ٨٧.
(٧) من البسيط وهو مجهول القائل. والصوم شجر على شكل شخص الإنسان كريه المنظر جدّا يقال لثمره ـ