الله الجوع الشديد فزعوا إلى إزالة ذلك الجوع بتناول هذا الشيء. أو يقال : إن الزبانية يكرهونهم على الأكل من تلك الشجرة تكميلا (١) لعذابهم.
قوله : (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) قرأ العامة بفتح الشين وهو مصدر على أصله. وقيل: يراد به اسم المفعول (٢). ويدل له قراءة شيبان النّحوي (٣) لشوبا ـ بالضم (٤) ـ. قال الزجاج : المفتوح مصدر ، والمضموم اسم بمعنى المشوب كالنقض بمعنى المنقوض (٥) ، وعطف «بثمّ» لأحد معينين إما لأنه يؤخر ما يظنونه يرويهم من عطشهم زيادة في عذابهم فلذلك أتى «بثمّ» المقتضية للتراخي ، وإما لأن العادة تقضي (٦) بتراخي الشرب عن الأكل فعمل على ذلك المنوال وأما ملء البطن فيعقب الأكل فلذلك عطف على ما قبله بالفاء (٧).
قال الزجاج : الشوب اسم عام في كل ما خلط بغيره (٨) ، والشّوب الخلط والمزج ، ومنه شاب اللبن يشوبه أي خلطه ومزجه ، والحميم : الماء الحار والمتناهي في الحرارة (٩). و (مِنْ حَمِيمٍ) صفة «لشوبا» (١٠) واعلم أن الله تعالى وصف شرابهم في القرآن بأشياء منها : (وَغَسَّاقاً) [النبأ : ٢٥] ومنها : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) [محمد : ١٥] ومنها المذكور في هذه الآية (١١) ، ولما ذكر الطعام بتلك الشناعة والكراهة وصف الشراب بما هو أشنع منه وسماه شوبا أي خلطا ومزجا من حميم من ماء حار ، فإذا أكلوا الزّقّوم وشربوا عليه الحميم فيشرب (١٢) الحميم في بطونهم فيصير شوبا له.
قوله : (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) قال مقاتل : أي بعد أكل الزقوم وشرب الحميم. وهذا يدل على أنهم عند شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم وذلك بأن يكون
__________________
(١) كذا في الرازي أيضا وفي ب تكيلا وانظر : الرازي ٢٦ / ١٤٢ ، ١٤٣.
(٢) الدر المصون ٤ / ٥٥٧.
(٣) هو شيبان بن معاوية أبو معاوية النحوي روى عن عاصم وعنه موسى بن هارون مات سنة ١٦٤ ه.
انظر : الغاية ١ / ٣٢٩.
(٤) من الشواذ غير المتواترة. انظر : المحتسب ٢ / ٢٢٠ وابن خالويه ١٢٨.
(٥) بالمعنى من المعاني له ٤ / ٣٠٧.
(٦) في ب : تقتضي.
(٧) انظر : الكشاف للزمخشري ٣ / ٣٤٣ ، والبحر ٧ / ٣٦٣.
(٨) قال : أي الخلط ومزاجا ويقرأ : لشوبا من حميم ، الشوب المصدر ، والشوب الاسم والخلط المخلوط. معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٠٧ وانظر أيضا المجاز ٢ / ١٧٠ وغريب القرآن لابن قتيبة ٣٧٢ واللسان : «ش وب» ٢٣٥٥.
(٩) السابق ١٠٠٨.
(١٠) قاله السمين ٤ / ٥٥٨.
(١١) وهو الشوب من الحميم.
(١٢) كذا هي هنا في أوفي الرازي وفي ب فيشوب أي يشوب الزقوم بالحميم نعوذ بالله منهما.