من نيل (١) مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى (بحر) (٢) البطائح ، ثم دجلة فصعدت به ورمته في أرض نصيبين بالعراء ، وهو كالفرخ المنتوف لا شعر ولا لحم فأنبت الله عليه شجرة من يقطين فكان يستظل بها ويأكل من ثمرها حتى اشتد. ثم إنّ الأرض (ة) (٣) أكلتها فحزن يونس لذلك حزنا فقال يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والرّيح وأمصّ من ثمرها وقد سقطت فقيل (له) (٤) : يا يونس تحزن (على شجرة) (٥) أنبتت في ساعة واقتلعت في ساعة ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون تركتهم فانطلق إليهم.
قوله : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) من الذاكرين الله قبل ذلك وكان كثير الذّكر ، قال ابن عباس : من المصلين وقال وهب : من العابدين. وقال الحسن : ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكن قدّم عملا صالحا. وقال سعيد بن جبير هو قوله في بطن الحوت : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(٦).
قوله : (فِي بَطْنِهِ) الظاهر أنه متعلق «بلبث». وقيل : حال أي مستقر (٧). وكان بطنه قبرا له إلى يوم القيامة ، قال الحسن : لم يلبث إلا قليلا ثم أخرج من بطن الحوت. وقال بعضهم : التقمه بكرة ولفظه عشيا وقال مقاتل بن حيّان ثلاثة أيام ، وعن عطاء : سبعة أيام ، وعن الضحاك : عشرون يوما. وقيل : شهر ، وقيل : أربعين يوما (٨).
قال ابن الخطيب : ولا أدري بأي دليل عينوا هذه المقادير (٩). وروى أبو بردة (١٠) عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : سبّح يونس في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا ربنا إنا نسمع صوتا بأرض غريبة فقال ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر ، قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال : نعم فشفعوا له فأمر الحوت فقذفه بالساحل. وروي أن يونس لما ابتلعه الحوت ابتلع الحوت حوت آخر أكبر منه فلما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حيّ فخرّ لله ساجدا وقال : يا رب اتخذت لك مسجدا لم يعبدك أحد في مثله.
قوله : «فنبذناه» أضاف النبذ إلى نفسه مع أن ذلك النبذ إنما حصل بفعل الحوت وهذا يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى (١١). وقوله : «بالعراء» أي في العراء نحو : زيد بمكّة (١٢).
__________________
(١) وفيه : أخرجته إلى نيل.
(٢) سقط من «ب».
(٣) زيادة من الرازي.
(٤) سقط من «ب».
(٥) سقط من «ب» وانظر : الرازي ٢٦ / ١٦٤.
(٦) انظر هذه الأقوال في زاد المسير ٧ / ٨٧
(٧) التبيان ١٠٩٣.
(٨) القرطبي ١٥ / ١٢٣ وزاد المسير ٧ / ٨٨ والرازي ٢٦ / ١٦٥.
(٩) المرجع السابق.
(١٠) في المرجع السابق أنه أبو هريرة.
(١١) السابق.
(١٢) فتكون الباء بمعنى «في» الظرفية. وانظر : الدر المصون ٤ / ٥٧٠.