قوله تعالى : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ)(١١)
قوله : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ) أي من أن ، ففيها الخلاف المشهور. (وَقالَ الْكافِرُونَ) من باب وضع الظاهر موضع المضمر شهادة عليهم بهذا الوصف القبيح (١).
فصل
لما حكى عن الكفار في كونهم في عزّة وشقاق أتبعه بشرح كلماتهم الفاسدة فقال : (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) وفي قوله : «منهم» وجهان :
الأول : أنهم قالوا : إن محمدا مساو لنا في الخلقة الظاهرة والأخلاق الباطنة والنسب والشكل والصورة فكيف يعقل أن يختصّ من بيننا بهذا المنصب العالي؟!.
والثاني : أن الغرض من هذه الكلمة التنبيه على كمال جهلهم (لأنهم (٢) جاءهم رجل يدعوهم إلى التوحيد وتعظيم الملائكة والترغيب في الآخرة والتنفير عن الدنيا ثم إن هذا الرجل) من أقاربهم يعلمون أنه كان بعيدا عن الكذب والتهمة وكان ذلك مما يوجب الاعتراف بتصديقه ثم إنهم لحماقتهم يتعجبون له من قوله. ونظيره قوله : (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) [المؤمنون : ٦٩] (وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) مبالغة في «عجب» كقولهم : رجل طوال (٣) ، وأمر سراع ، هما أبلغ من طويل وسريع (٤) ، وقرأ عليّ والسّلمي وعيسى وابن مقسم : عجّاب (٥) بتشديد الجيم. وهي أبلغ مما قبلها فهي مثل رجل كريم وكرام بالتخفيف وكرّام بالتشديد.
__________________
(١) معنى كلام الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٥٩ ، ٣٦٠.
(٢) ما بين القوسين كله قد سقط من ب.
(٣) ومن هنا سمي النحوي المعروف بالطوال فتلك صفة ولقب.
(٤) قاله أبو عبيدة في المجاز ٢ / ١٧٦ ، ١٧٧ وابن قتيبة في الغريب ٣٧٦ والفراء في المعاني ٢ / ٣٩٨ والزجاج في المعاني ٤ / ٣٢١.
(٥) أجيزت لغويا من الزجاج والفراء في المرجعين السابقين وهي من الشواذ وقد نقلها الكشاف ٣ / ٣٦٠ وابن جني في المحتسب ٢ / ٢٣٠ وابن خالويه في المختصر ١٢٩.