عن أبي بن كعب قال : فصل الخطاب الشهود والإيمان. وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح عن الشعبي : فصل الخطاب هو قول الإنسان بعد حمد الله والثناء عليه : أما بعد إذا أراد الشروع في كلام آخر (١).
قوله (تعالى) (٢) : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) قد تقدم أن الخصم في الأصل مصدر فلذلك يصلح للمفرد والمذكر وضدّيهما ، وقد يطابق ، ومنه (لا تَخَفْ خَصْمانِ) [ص : ٢٢]. والمراد بالخصم هنا جمع بدليل قوله : (إِذْ تَسَوَّرُوا) وقوله : (إِذْ دَخَلُوا). قال الزمخشري : وهو يقع للواحد والجمع كالضّيف ، قال تعالى : (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) [الذاريات : ٢٤] لأنه مصدر في أصله ، يقال خصمه يخصمه خصما كما تقول : ضافه ضيفا. فإن قلت : هذا جمع وقوله: خصمان تثنية فكيف استقام ذلك؟ قلت : معنى خصمان فريقان خصمان ، والدليل قراءة من قرأ : «بغى بعضهم على بعض» (٣) ونحوه قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) [الحج : ١٩] فإن قلت : فما تصنع بقوله : (إِنَّ هذا أَخِي) وهو دليل على الاثنين (٤)؟ قلت : معناه أنّ التحاكم بين ملكين ولا يمنع أن يصحبهما آخرون ، فإن قلت : كيف سماهم جميعا خصما في قوله : «نبأ الخصم وخصمان»؟ قلت : لما كان صحب كل واحد من المتحاكمين في صورة الخصم صحت التسمية به (٥).
قوله : (إِذْ تَسَوَّرُوا) في العامل في «إذ» أوجه :
أحدها : أنه معمول للنبأ إذا لم يرد به القصة. وإليه ذهب ابن عطية (٦) وأبو البقاء (٧) ومكّيّ (٨) أي هل أتاك الخبر الواقع في وقت تسوّرهم المحراب ، وقد ردّ بعضهم هذا بأن النبأ الواقع في ذلك الوقت لا يصح إتيانه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وإن أريد بالنبأ القصة لم يكن ناصبا. قاله أبو حيّان (٩).
الثاني : أن العامل فيه «أتاك» (١٠). وردّ بما ردّ به الأول (١١) ، وقد صرح الزّمخشريّ
__________________
(١) البغوي ٦ / ٤٥.
(٢) زيادة من «أ».
(٣) لم أجدها نسبت لمعين. انظر الكشاف ٣ / ٣٦٧ والبحر ٧ / ٣٩١ والدر المصون ٤ / ٥٩٨ وقد نسبها الكرماني في شواذ القرآن لابن عمير. الشواذ ٢٠٧.
(٤) الواقع أن في الكشاف كلاما زائدا على هنا وهو (قلت : هنا قول البعض المراد به بعضنا على بعض ، فإن قلت : فإنه قد جاء في الرواية أنه بعث إليه ملكان).
(٥) وانظر : كشافه ٣ / ٣٦٦ و ٣٦٧.
(٦) البحر المحيط ٧ / ٣٩٢.
(٧) التبيان ١٠٩٨.
(٨) مشكل الإعراب ٢ / ٢٤٩ وانظر : الكشاف ٣ / ٣٦٨ والبيان ٢ / ٣١٣ والدر المصون ٤ / ٥٩٩.
(٩) البحر المحيط ٧ / ٣٩١ والدر المصون ٤ / ٥٩٩. قال أبو حيان : ورد بأن إتيان النبأ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا يقع إلّا في عهده لا في عهد داود. كما قال : «وإن أردت بالنبأ القصة في نفسها لم يكن ناصبا».
(١٠) قال أبو حيان في المرجع السابق إنه رأي الحوفيّ. انظر : المرجع السابق.
(١١) وهو أن النبأ الواقع في ذلك الوقت لا يصح إتيانه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنه في عهد داود.