قوله : «جسدا» فيه وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول به لألقينا.
والثاني : أنه حال ، وصاحبها إما سليمان لأنه يروى أنه مرض حتى صار كالجسد الذي لا روح فيه ، وإما ولده ، قالهما أبو البقاء (١) ولكن «جسد» جامد فلا بدّ من تأويله بمشتق أي (٢) ضعيفا أو فارغا.
قوله : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي) تمسك به من حمل الكلام المتقدم على صدور الزّلّة لأنه لو لا تقدم الذنب لما طلب المغفرة ويمكن أن يجاب : بأن الإنسان لا ينفك عن ترك الأفضل والأولى وحينئذ يحتاج إلى طلب المغفرة لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين ولأنه أبدا في مقام هضم النفس وإظهار الذّلّة والخضوع كما قال ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : «إنّي لأستغفر الله في اليوم واللّيلة سبعين مرّة» (٣) مع أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قوله : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) دلت هذه الآية على أنه يجب تقديم مهمّ الدين على مهمّ الدنيا لأن سليمان طلب المغفرة أولا ثم طلب المملكة بعده ، ثم دلت (٤) الآية أيضا على أن طلب المغفرة من الله تعالى سبب لافتتاح أبواب الخيرات في الدنيا لأن سليمان طلب المغفرة أولا ، ثم توسل به إلى طلب المملكة ونوح ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ قال : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) يغفر (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) [١٠ ـ ١٢] وقال لمحمد عليه (الصلاة و) السلام : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى)(٥) [طه : ١٣٢].
فإن قيل : قول سليمان ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : (هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) مشعر بالحسد.
فالجواب : أن القائلين بأن الشيطان استولى على مملكته قالوا معناه هو : أن يعطيه الله ملكا لا يقدر الشيطان على أن يقوم فيه مقامه ألبتة ، وأما المنكرون فأجابوا بوجوه :
الأول : أن الملك هو القدرة فكان المراد أقدرني على أشياء لا يقدر عليها غيري ألبتة ليصير اقتداري عليها معجزة تدل على صحة نبوتي ورسالتي ويدل على صحة هذا
__________________
(١) التبيان ١١٠١.
(٢) في ب أو. وانظر أيضا : البحر المحيط ٧ / ٣٩٧ والدر المصون ٤ / ٦١٠.
(٣) الحديث كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ : «والله إنّي لأستغفر» انظر : صحيح البخاري ٤ / ٩٩.
(٤) في ب ولدت وفي الرازي وأيضا الآية تدل الخ ...
(٥) وانظر هذا كله في تفسير الإمام الرازي ٢٦ / ٢٠٩.