قوله تعالى عقيبه : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) فكون (١) الريح جارية بأمره قدرة عجيبة وملك دال على صحة نبوته (٢) لا يقدر أحد على معارضته.
الثاني : أنه ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ لما مرض ثم عاد إلى الصحة عرف أن خيرات الدنيا صائرة إلى التغيرات فسأل ربه ملكا لا يمكن أن ينتقل عنّي إلى غيري.
الثالث : أنّ الاحتراز عن طيبات الدنيا مع القدرة عليها أشق (٣) من الاحتراز عنها حال (٤) عدم القدرة فكأنه قال : يا إلهي أعطني مملكة فائقة على ممالك البشر بالكلية حتى أحترز عنها مع القدرة عليها ليصير (ثوابي) (٥) أكمل وأفضل.
الرابع : سأل ذلك ليكون علما على قبول توبته حيث أجاب الله دعاءه ورد عليه ملكه وزاده فيه.
قوله : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً) ليّنة أي رخوة ليّنة ، وهي من الرخاوة والريح إذا كانت لينة لا تزعزع (٦) (ولا تمتنع (٧) عليه إذا كانت طيبة).
فإن قيل : قد قال في آية أخرى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ).
فالجواب من وجهين :
الأول : لا منافاة بين الآيتين فإن المراد أن تلك الريح كانت في قوة الرّيح العاصفة إلا أنها لما أمرت(٨) بأمره كانت لذيذة طيبة وكانت رخاء.
الثاني : أن تلك الريح كانت لينة مرة وعاصفة أخرى فلا منافاة بين الآيتين (٩).
قوله : (حَيْثُ أَصابَ) ظرف ل «تجري» أو «لسخّرنا» (١٠) و «أصاب» أراد بلغة حمير.
وقيل : بلغة هجر (١١). وحكى الأصمعي عن العرب أنهم يقولون : أصاب الصواب فأخطأ الجواب (١٢).
__________________
(١) كذا في «أ» والرازي. وفي ب فتكون.
(٢) كذا هو الأصح في السابقين وفي ب ثبوته. تحريف.
(٣) في ب أسبق.
(٤) في ب سأل.
(٥) كلمة «ثوابي» سقطت من «أ».
(٦) ريح زعزع وزعزاع وزعزوع : شديدة. الأخيرة عن ابن جنّي ، انظر اللسان : «ز ع ع» ١٨٣٢.
(٧) زيادة من الفخر الرازي.
(٨) كذا في ب وفي «أ» مرت وفي الرازي : جرت وكلها متقاربة.
(٩) وانظر : تفسير الإمام الرازي ٢٦ / ٢٠٩ و ٢١٠.
(١٠) التبيان ١١٠١ والدر المصون ٤ / ٦١١ و ٦١٠.
(١١) المرجع الأخير وانظر كذلك القرطبي ١٥ / ٢٠٥ و ٢٠٦ وانظر : معاني الفراء ٢ / ٤٠٥ ومعاني الزجاج ٤ / ٣٣٣.
(١٢) القرطبي المرجع السابق والبغوي ٦ / ٦٠.