قيما ، ولابن السبيل معينا ولليتامى أبا فنودي : يا أيوب ممّن كان ذلك التوفيق؟ فأخذ أيوب التراب ووضعه على رأسه وقال : منك يا رب ثم خاف من الخاطر الأول فقال : مسّني الشيطان بنصب وعذاب وذكر أحوالا أخر. والله أعلم (١).
قوله : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) معناه أنه لما اشتكى مسّ الشّيطان فكأنه سأل ربه أن يزيل عنه تلك البلية فأجابه الله بأن قال : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ). والرّكض (٢) هو الدفع القويّ بالرجل. ومنه ركض الفرس ، والتقدير : قلنا له اركض برجلك قيل : إنه ضرب برجله تلك الأرض فنبعت عين ، فقيل : هذا مغتسل بارد وشراب أي هذا ما تغتسل به فيبرأ ظاهرك وتشرب منه فيبرأ باطنك. وظاهر (هذا) اللفظ يدل على أنه نبعت له عين واحدة من الماء فاغتسل منه (٣) ، وشرب منه ، والمفسرون قالوا : نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى فذهب الداء من ظاهره ومن باطنه بإذن الله تعالى (٤). وقيل : ضرب برجله اليمين فنبعت عين حارّة فاغتسل منها ثم باليسرى فنبعت عين باردة فشرب منها(٥).
قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) قيل : هم عين أهله ودياره (وَمِثْلَهُمْ) قيل : غيرهم مثلهم (٦) ، والأول أولى ؛ لأنه الظاهر فلا يجوز العدول عنه من غير ضرورة (٧). ثم اختلفوا فقيل : أزلنا عنهم السّقم فأعيدوا أصحّاء ، وقيل : بل حضروا عنده بعد أن غابوا عنه واجتمعوا بعد أن تفرقوا ، وقيل : بل تمكن منهم وتمكنوا منه كما يفعل بالعشرة والخدمة (٨).
قوله : (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) الأقرب أنه تعالى (متّعه) (٩) بصحّته وماله (١٠) وقواه حتى كثر نسله وصاروا (١١) أهله ضعف ما كانوا وأضعاف ذلك. وقال الحسن : المراد بهبة الأهل أنه تعالى أحياهم بعد أن هلكوا (١٢).
__________________
(١) بحقيقة الحال وانظر : تفسير الرازي ٢٦ / ٢١٤.
(٢) انظر في هذا اللسان : «ر ك ض» ١٧١٨ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٣٤ وغريب القرآن لابن قتيبة ٣٨٠ والمجاز لأبي عبيدة ٢ / ١٨٥ والقرطبي ١٥ / ٢١١ وقد نقل القرطبي رأيا عن المبرد والأصمعي قال : «وقال المبرد : الركض بالتحريك وقال الأصمعي يقال : ركضت الدابة ولا يقال ركضت هي ، لأن الركض إنما هو تحريك راكبها رجليه ولا فعل له في ذلك». (القرطبي السابق).
(٣) في الرازي فيه بدل من منه. وهو الأقرب.
(٤) انظر : تفسير الإمام ابن الجوزي زاد المسير ٧ / ١٤٣ والرازي ٢٦ / ٢١٤ ، ٢١٥.
(٥) المرجع الأخير السابق والكشاف ٣ / ٣٧٦ ، ٣٧٧.
(٦) انظر : القرطبي ١١ / ٣٢٣ ، ٣٢٤ والرازي المرجع السابق.
(٧) السابق.
(٨) المرجعان السابقان.
(٩) زيادة من الرازي.
(١٠) كذا في أوفي ب والرازي : وبماله.
(١١) كذا في النسختين واللغة السائدة وصار أهله بإفراد الفعل أو بتجريده من علامات التثنية والجمع.
(١٢) المرجع السابق.