المذمومتين ، والمراد بالبشر ههنا : آدم ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ.
قوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أتممت خلقه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) فأضاف الروح إلى نفسه وذلك يدل على أنه جوهر شريف علويّ قدسيّ ، والفاء في قوله : (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) يدل على أنه كما تم (نفخ) (١) الروح في الجسد توجه أمر الله عليهم بالسجود. وقد تقدم الكلام في الملائكة المأمورين بالسجود (و) (٢) هل هم ملائكة الأرض أو يدخل فيه ملائكة السموات مثل جبريل وميكائيل والروح الأعظم المذكور في قوله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) [النبأ : ٣٨]. وقال بعض الصوفية : الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم هم القوى النّباتيّة والحيوانية والحسيّة والحركيّة فإنها في بدن الإنسان خوادم النفس الناطقة ، وإبليس الذي لم يسجد هو القوى الوهمية التي هي المنازعة لجوهر العقل(٣).
قوله : (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) تأكيدان. وقال الزمخشري «كل» للإحاطة و «أجمعون» للاجتماع ، فأفادا معا أنهم سجدوا (٤) عن آخرهم ما بقي منهم ملك إلا سجد وأنهم سجدوا جميعا في وقت واحد غير متفرّقين (٥).
وقد تقدم الكلام معه في ذلك في سورة الحجر (٦).
قوله : (أَنْ تَسْجُدَ) قد يستدل به من يرى أن «لا» في «أن لا تسجد» في السورة الأخرى (٧) زائدة ، حيث سقطت هنا والقصة واحدة. وقوله : (لِما خَلَقْتُ) قد يستدل به (٨) من يرى جواز وقوع «ما» على العاقل (٩) ؛ لأن المراد به آدم ، وقيل : لا دليل فيه لأنه كان فخّارا غير جسم حسّاس فأشير إليه في تلك الحالة (١٠). وهذا ليس بشيء ؛ لأن هذا الخطاب إنما كان بعد نفخ الرّوح فيه لقوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) الواو من أ.
(٣) انظر في هذا التفسير للإمام الرازي ٢٦ / ٢٢٨ ، ٢٢٩.
(٤) في ب : يسجدوا.
(٥) الكشاف ٣ / ٣٨٢ وفيها «غير متفقين في أوقات».
(٦) من الآية ٣٠ منها : «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ» وانظر الكلام في الملائكة المأمورين بالسجود في سورة البقرة عند قوله : «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى» [٣٤] وانظر اللباب ١ / ٣٨ ب و ٣ / ٧٢ ب.
(٧) وهي قوله : «قال ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك» [الأعراف : ١٢] وقال بزيادتها أبو البقاء وأبو حيان انظر : البحر المحيط ٧ / ٤١٠.
(٨) في ب : على بدل من به.
(٩) ولم أجد من نسب إليه هذا القول لأنه قليل ونادر والدليل على ذلك ما نقله صاحب الهمع ١ / ٩١ فقد قال : «والغالب في «ما» وقوعها على غير العاقل وقد يقع للعاقل نادرا نحو : لما خلقت بيدي ، والسماء وما بناها» وقال الفراء في المعاني ١ / ١٠٢ : «وقد تجعل العرب ما في بعض الكلام للناس ـ أي العقلاء ـ وليس بالكثير».
(١٠) في ب : الحال.