ليتوسل (١) به إلى القدح في أمر الله وتكليفه وذلك يوجب الكفر. وإذا عرفت هذا فنقول : إن إبليس لما ذكر هذا القياس الفاسد قال تعالى : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) وقد ثبت في أصول الفقه أن ذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على كون ذلك الحكم معلّلا بذلك الوصف ، وههنا الحكم بكونه رجيما ورد عقيب ما حكى عنه أنه خصص النص بالقياس فهذا يدل على أن تخصيص النص بالقياس يوجب هذا الحكم (٢).
قوله : «منها» أي من الجنة أو من الخلقة لأنه كان حسنا فرجع قبيحا ؛ وكان نورانيّا فعاد مظلما. وقيل : من السّموات (٣). وقال هنا لعنتي وفي غيرها اللّعنة (٤) ، وهما وإن كانا في اللفظ عامّا وخاصّا إلا أنهما من حيث المعنى عامّان بطريق اللازم لأن من كانت عليه لعنة الله كانت عليه لعنة كل أحد لا محالة ، وقال تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [البقرة : ١٦١] وباقي الجملة تقدم نظيرها.
قوله (٥) : «الرّجيم» المرجوم والرّجم ههنا عبارة عن الطّرد ؛ لأن الظاهر أن من طرد فقد يرمى بالحجارة وهو الرجم (٦) فلما كان الرجم من لوازم الطرد جعل الرجم كناية عن الطرد (٧).
فإن قيل : الطرد هو اللّعن ، فلو حملنا قوله : «رجيم» (على الطرد) (٨) لكان قوله بعد ذلك: (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي) تكرارا.
فالجواب : من وجهين :
الأول : أنّا نحمل الرجم على الطرد من الجنة ومن السموات ونحمل اللعن على الطرد من رحمة الله.
الثاني : أنا نحمل الرجم على الطرد ونحمل قوله : (عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) على أنه الطرد إلى يوم القيامة فيكون على هذا فيه فائدة زائدة ولا يكون تكرارا ، وقيل : المراد بالرجم كون الشياطين مرجومين بالشهب.
فإن قيل : كلمة «إلى» لانتهاء (٩) الغاية فقوله (١٠) : (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) يقتضي (١١)
__________________
(١) كذا في أهنا وفي الرازي من التوسل والوسيلة وفي ب ليتوصّل من التّوصّل.
(٢) وانظر في هذا تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٢٣٣.
(٣) السابق. وانظر الكشاف ٣ / ٣٨٤ والدر المصون ٤ / ٦٢٨.
(٤) يشير إلى قوله عز وعلا : «وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ» [الحجر : ٣٥]. وانظر : البحر ٧ / ٤١٠ معنى ، والدر المصون ٤ / ٦٢٨ لفظا.
(٥) في ب : فصل ، بدل قوله هنا.
(٦) في ب : الرجيم.
(٧) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٨٤ والرازي في تفسيره ٢٦ / ٢٣٣ ، ٢٣٤ وانظر أيضا القرطبي ١٥ / ٢٢٩ واللسان : «ر ج م» ١٦٠١ ، ١٦٠٢.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) في ب : انتهاء.
(١٠) وفيها : فنقول بدل فقوله.
(١١) في ب : مقتضى.