لأنه لا يجوز حذف حرف القسم إلّا مع اسم الله (١) ويكون قوله : (وَالْحَقَّ أَقُولُ) معترضا بين القسم وجوابه (٢) قال الزمخشري : كأنه قيل : ولا أقول إلّا الحقّ (٣) يعني أن تقديم المفعول أفاد الحصر. والمراد بالحق إما الباري تعالى كقوله : (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) [النور : ٢٥] وإمّا نقيض الباطل (٤).
والثاني : أنه منصوب على الإغراء أي الزموا الحقّ (٥).
والثالث : أنه مصدر مؤكد لمضمون (٦) قوله : «لأملأنّ» (٧) ، قال الفّراء : هو على معنى قولك : حقّا لآتينّك ، ووجود الألف واللام وطرحهما سواء (٨) (أي لأملأن (٩) جهنم حقا) انتهى. وهذا لا يتمشّى مع قول البصريين ، فإن شرط نصب المصدر المؤكد لمضمون الجملة أن يكون بعد جملة ابتدائية جزءاها معرفتان جامدان (١٠). وجوز ابن العلج (١١) أن يكون الخبر نكرة (١٢) ، وأيضا فإن المصدر المؤكد لا يجوز تقديمه على الجملة المؤكد هو لمضمونها ؛ وهذا قد تقدم.
وأما الثاني فمنصوب «بأقول» بعده ، والجملة معترضة كما تقدم ، وجوز الزمخشري أن يكون منصوبا على التكرير (١٣) بمعنى (أنّ) (١٤) الأول والثاني كليهما منصوبان بأقول وسيأتي إيضاح ذلك في عبارته وقرأ عاصم وحمزة برفع الأول ونصب الثاني ، فرفع الأول من أوجه :
__________________
(١) قال إمام النحاة في الكتاب ٣ / ٤٩٨ : «ومن العرب من يقول : الله لأفعلنّ وذلك أنه أراد حرف الجر وإياه نوى فجاز حيث كثر في كلامهم وحذفوه تخفيفا وهم ينوونه».
(٢) التبيان المرجع السابق والمعاني للفراء ٢ / ٤١٢ والدر المصون ٤ / ٦٣٨ والكشاف ٣ / ٣٨٤.
(٣) السابق.
(٤) الكشاف المرجع السابق والدر المصون ٤ / ٦٢٨.
(٥) البيان ٢ / ٣١٩ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٥٥ فضلا عن الدر المصون المرجع السابق.
(٦) في ب : بمضمون.
(٧) هذا مفهوم كلام الفراء الآتي في المعاني ٢ / ٤١٣.
(٨) المرجع السابق.
(٩) زيادة على قول الفراء في المعاني وفي المعاني : «لآتينك» وفي النسختين والسمين «لا شك».
(١٠) قال الأشموني ٢ / ١٩ : إن المصدر المؤكد لنفسه هو الواقع بعد جملة هي نص في معناه وسمي بذلك لأنه بمنزلة إعادة الجملة فكأنه نفسها (له عليّ ألف عرفا) أي اعترافا والمؤكد لغيره هو الواقع بعد جملة تحتمل غيره فتصير به نصا وسمي بذلك لأنه أثر في الجملة فكأنه غيرها.
(١١) تقدم التعريف به.
(١٢) قال أبو حيان عنه : ونقل صاحب البسيط أنه يجوز أن يكون الخبر نكرة قال : والمبتدأ يكون ضميرا نحو : هو زيد معروفا وهو الحقّ بيّنا وأنا الأمير مفتخرا ويكون ظاهرا كقولك : زيد أبوك عطوفا. وانظر هذا كله في الأشموني ٢ / ١١٩ ، ١٢٠ والبحر ٧ / ٤١١ والدر المصون ٤ / ٦٢٩.
(١٣) أي التوكيد اللفظي قال الزمخشري : «ومعناه التوكيد والتشديد. وهذا الوجه جائز في المنصوب والمرفوع أيضا». الكشاف ٣ / ٣٨٤.
(١٤) سقط من ب.