تعظيم بسبب إبرازه في جملة أخرى مضافا إنزاله إلى المعظم نفسه (١).
قوله : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً) لما بين أن هذا الكتاب مشتمل على الحق والصدق وأردفه ببيان بعض ما فيه من الحق والصدق وهو أن يشتغل الإنسان بعبادة الله على سبيل الإخلاص فقال : فاعبد الله مخلصا له الدّين (٢) ، فقوله (مُخْلِصاً لَهُ) حال من فاعل «فاعبد» (٣) و «الدين» منصوب باسم الفاعل (٤) ، والفاء في «فاعبد» للربط ، كقولك : «أحسن إليك فلان فاشكره» (٥) والعامة على نصب «الدين» ، وقرأ ابن أبي عبلة برفعه (٦) ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مرفوع بالفاعلية رافعة «مخلصا». وعلى هذا فلا بد من تجوز وإضمار ، أما التجوز فإسناد الإخلاص للدين وهو لصاحبه في الحقيقة ونظيره قولهم : شعر شاعر ، وأما الإضمار فهو إضمار عائد على ذي (٧) الحال ، أي مخلصا له الدين منك ، هذا رأي البصريين في مثل هذا ، وأما الكوفيون فيجوز أن يكون عندهم «أل» عوضا عن الضمير أي مخلصا دينك (٨).
قال الزمخشري : وحقّ لمن (٩) رفعه أن يقرأ مخلصا ـ بفتح اللام ـ لقوله تعالى : (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) [النساء : ١٤٦] حتى يطابق قوله : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) والخالص والمخلص واحد إلا أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي كقولهم : «شعر شاعر» (١٠).
الثاني : أن يتم الكلام على : «مخلصا» وهو حال من فاعل «فاعبد» ، و «له الدّين» مبتدأ وخبر ، وهو قول الفراء (١١). وقد ردّه الزمخشري وقال : فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك: لله الدين ألا لله الدين الخالص (١٢). قال شهاب الدين : وهذا الذي ذكره الزمخشري لا يظهر فيه ردّ على هذا الإعراب (١٣).
__________________
(١) الدر المرجع السابق.
(٢) قاله الرازي في المرجع السابق.
(٣) الدر المرجع السابق.
(٤) السّابق وانظر : التبيان أيضا ١١٠٨.
(٥) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٤١٤.
(٦) المرجع السابق والكشاف دون تعيين في ٣ / ٣٨٦.
(٧) في ب : دين ؛ تحريف ولحن.
(٨) وقال بهذا الرأي أبو حيان في البحر ٧ / ٤١٤ والسمين في الدر ٤ / ٦٣٣ وقال الزمخشري : وحقّ من رفعه أن يقرأ مخلصا بفتح اللام كقوله تعالى : «وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ» حتى يطابق قوله : «أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ» الكشاف ٣ / ٣٨٦.
(٩) في الكشاف : «وحق من رفعه».
(١٠) قاله في الكشاف ٣ / ٣٧٦.
(١١) انظر المعاني ٢ / ٤١٤.
(١٢) الكشاف ٣ / ٣٨٦.
(١٣) نقله في الدر المصون ٤ / ٦٣٤.