مذهب البغداديّ (١) من المعتزلة ، وأنت لا تقول به لأن مذهب البصريين غفران الذنب جائز عقلا ، وأيضا فيلزم عليه أن لا يحصل الغفران بالتوبة لأنه إذا علم أنه إذا أذنب ثم تاب غفر الله له لم ينزجر ، وأما الفرق الذي ذكره القاضي فبعيد لأنه إذا عزم على أن يتوب عنه في الحال علم أنه لا يضر (ه) (٢) ذلك الذنب البتة. ثم نقول : مذهبنا أنّا نقطع بحصول العفو عن الكبائر في الجملة إلا أنه تعالى لم يقطع بحصول هذا الغفران في حق كل أحد بل في حق من يشاء (٣) وإذا كان الأمر كذلك كان الخوف حاصلا والله أعلم (٤).
قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يجوز فيه أوجه :
أحدها : أن يكون «الذين» مبتدأ ، وخبره قول مضمر حذف وبقي معموله وهو قوله : (ما نَعْبُدُهُمْ) والتقدير : يقولون ما نعبدهم (٥).
الثاني : أن يكون الخبر قوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) ويكون ذلك القول المضمر (في (٦) محلّ نصب على الحال أي والّذين اتخذوا قائلين كذا إنّ الله يحكم بينهم (٧).
الثالث : أن يكون القول المضمر) بدلا من الصلة التي هي «اتخذوا» والتقدير : والذين اتخذوا قالوا ما نعبدهم (٨) ، والخبر أيضا : إنّ الله يحكم بينهم (٩). و «الّذين» في هذه الأقوال عبارة عن المشركين المتخذين غيرهم أولياء.
الرابع : أن يكون «الّذين» عبارة عن الملائكة وما عبدوا من دون الله كعزير ، واللّات والعزّى ويكون فاعل «اتّخذ» (١٠) عائدا على المشركين ومفعول الاتّخاذ الأول محذوف هو عائد الموصول ، والمفعول الثاني هو : «أولياء» (١١) والتقدير : والذين اتخذهم المشركون أولياء. ثم لك في خبر هذا المبتدأ وجهان :
__________________
(١) هو الكعبي السابق ترجمته الإمام عبد الله بن أحمد بن محمود البلخيّ الحنفيّ الكعبي أبو القاسم المعتزلي البغدادي المتوفى بها سنة ٣١٧ ه صنف من الكتب أدب الجدل ، أوائل الأدلة في أصول الدين ، تجريد الجدل ، تحفة الوزراء ، تفسير القرآن ، التهذيب في الجدل ، عيون المسائل وغير ذلك انظر : «هدية العارفين» ٥ / ٤٤٤.
(٢) الهاء من ب والرازي.
(٣) في ب فقط يشاء بالمضارعة.
(٤) وانظر في هذا كله تفسير الإمام فخر الدين الرازي ٢٦ / ٢٤٠ و ٢٤١.
(٥) قاله في التبيان أبو البقاء ١١٠٨ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٢١ ومكي في المشكل ٢ / ٢٥٧.
(٦) ما بين القوسين كله سقط من ب بسبب انتقال النظر.
(٧) التبيان ٢ / ٣٢١ والكشاف ٣ / ٣٨٦.
(٨) الكشاف السابق.
(٩) بتوضيح من الدر المصون الذي ذكر هذه الأقوال في ٤ / ٦٣٤ وقد اختار الفراء والزجاج القول الأول وهو القول المضمر بالنسبة للخبر انظر : معاني الفراء ٢ / ٤١٤ ومعاني الزجاج ٤ / ٣٤٤.
(١٠) في ب اتخذوا.
(١١) بالمعنى من الكشاق ٣ / ٣٨٦ وباللفظ من الدرّ ٤ / ٦٣٤ وانظر أيضا البحر ٧ / ٥.