يسمع القصاص والعفو فيعفو ، لأن العفو مندوب إليه لقوله : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة: ٢٣٧] ، وقيل : يسمع العزائم والرخص فيتبع الأحسن وهو العزائم ، وقيل : يستمعون القرآن وغير القرآن فيتبعون القرآن (١). وروى عطاء عن ابن عباس : آمن أبو بكر بالنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فجاءه عثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا فنزل فيهم : (فَبَشِّرْ عِبادِ (ي) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)(٢). وقال ابن الخطيب : إنا قبل البحث عن الدلائل وتقريرها والشبهات وتزييفها نعرض (٣) تلك المذاهب وأضدادها على عقولنا فكل ما حكم به أول العقل بأنه أفضل وأكمل كان أولى بالقبول ، مثاله أن صريح العقل شاهد بأن الإقرار بأن (إله العالم حي عالم قادر حكيم رحيم أولى من إنكار ذلك فكان ذلك المذهب أولى. والإقرار) (٤) بأن الله لا يجري في ملكه وسلطانه إلا ما كان على وفق مشيئته أولى من القول بأن أكثر ما يجري (٥) في سلطان الله على خلاف إرادته ، والإقرار بأن الله تعالى فرد أحد صمد ، منزه عن التركيب والأعضاء أولى من القول بكونه متبعّضا (٦) ، مؤلفا ، وأيضا القول باستغنائه عن المكان والزمان أولى من القول بأنه لا يستغني عنه ألبتة ، فكل هذه الأبواب داخلة تحت قوله : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) ، فهذا في أبواب الاعتقادات وأما أبواب التكاليف فهي قسمان : عبادات ومعاملات ، أما العبادات فكقولنا : الصلاة التي يذكر في تحريمها (٧) : الله أكبر وهي بنيّة ويقرأ فيها بالفاتحة (٨) ويؤتى فيها بالطمأنينة في المواقف الخمسة ويتشهّد فيها ويخرج منها بالسلام فلا شكّ أنها أحسن من تلك التي لا يراعى فيها شيء من هذه الأحوال ، فوجب على العاقل أن يختار هذه الصلاة دون غيرها ، وكذا القول في جميع أبواب العبادات.
وأما المعاملات فكما تقدم في القصاص والعفو عنه ، وروي عن ابن عباس : أن المراد منه أن الرجل يجلس مع القوم فيسمع الحديث فيه محاسن ومساوىء (٩) فيحدّث بأحسن ما سمع ويترك ما سواه.
قوله : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ) الظاهر أنه نعت «لعبادي» ، أو بدل منه ، أو بيان له (١٠) ،
__________________
(١) المرجع السابقة وانظر أيضا معالم التنزيل وتفسير الخازن كلاهما ٦ / ٧١.
(٢) المرجعان السابقان.
(٣) في ب بعرض خطأ.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.
(٥) في ب ما يحركهم.
(٦) كذا في الرازي. وفي النسختين : مشقصا. لحن وتحريف وتصحيف.
(٧) في ب فتحريمها. لحن.
(٨) في الرازي : ويقرأ فيها سورة الفاتحة. وفي ب الفاتحة بدون حرف جر.
(٩) كذا في الرازي و «أ». وفي ب مساءات.
(١٠) قال بالثلاثة السمين في الدر ٤ / ٦٤٤ والبدلية وعطف البيان ظاهر كلام الزمخشري فقال «الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم». الكشاف ٣ / ٣٩٣.