وإطلاقا في الإقدام عليها وذلك لا يليق بحكمة الله تعالى. وإذا ثبت هذا وجب أن يحمل على أن المراد منه التنبيه على أنه لا يجوز أن يظن (العاصي) (١) أن لا مخلص له من العذاب البتة فإن اعتقد ذلك فهو قانط جميعا أي بالتوبة والإنابة.
فالجواب : (قوله) (٢) إن الآية تقتضي كون كل الذنوب مغفورة قطعا وأنتم لا تقولون (٣) به قلنا : بلى نحن نقول به لأن صيغة «يغفر» للمضارع وهي الاستقبال وعندنا أن الله يخرج من النار من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلى هذا التقدير فصاحب الكبيرة مغفور له قطعا إما قبل دخول النار وإما بعد دخولها فثبت أن دلالة ظاهر الآية عين مذهبنا وأما قوله : لو صارت الذنوب بأسرها مغفورة لما أمر بالتوبة.
فالجواب : أن عندنا التوبة واجبة وخوف العقاب قائم فإذن لا يقطع بإزالة العقاب (٤) بالكلية بل نقول لعله يعفو (٥) مطلقا ولعله يعذب بالنار مدة ثم يعفو بعد ذلك وبهذا يخرج الجواب عن بقية الأسئلة والله أعلم (٦).
وروى مقاتل بن حيّان عن نافع عن ابن عمر قال : كنا معشر أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ نرى أو نقول ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة حتى نزلت : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) [محمد : ١٠] فلما نزلت هذه الآية قلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا : الكبائر والفواحش وكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها (قلنا : قد (٧) هلك فأنزل الله هذه الآية فكففنا عن القول في ذلك ، فكنا إذا رأينا أحدا أصاب) منها شيئا خفنا عليه وإن لم يصب منها شيئا رجونا له ، وأراد بالإسراف ارتكاب الكبائر. (وروي) (٨) عن ابن مسعود أنه دخل المسجد فإذا قاصّ (يقصّ) (٩) وهو يذكر النار والأغلال فقام على رأسه فقال : يا مذكّر لم تقنّط النا؟ ثمّ قرأ : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ). وعن أسماء بنت يزيد (١٠) قالت : سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : يا عبادي (١١) الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله (إن الله يغفر الذنوب جميعا (١٢) ولا يبالي) ، وروى أبو هريرة أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : قال رجل لم يعمل خيرا قط لأهله: إذا مات (١٣) فحرّقوه ثم ذرّوا نصفه (١٤) في البرّ ونصفه في البحر
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : وإنهم لا يقولون به بالغائب.
(٤) في ب العذاب.
(٥) في ب يعقوب.
(٦) وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٧ / ٣.
(٧) ما بين القوسين سقط من ب.
(٨ و ٩) ساقطان من «أ» وهما الأصح إثباتا.
(١٠) في ب زيد ، وليس يزيد. وما في البغوي يوافق «أ» هنا.
(١١) في ب يقرأ بدل يقول. والأخيرة موافقة لما في البغوي.
(١٢) ما بين القوسين ساقط من ب.
(١٣) في ب : مت فحرقوني.
(١٤) وفيها نصفي وفيها عليّ كلها بصيغة التكلم والحديث في «أ» كما أخرجه البغوي في تفسيره بطريق الغيبة مروي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.