شاءَ اللهُ) [النمل : ٧٨] وعلى هذا القول فنفخ الصور ليس إلا مرتين. وقيل : الصعقة عبارة عن الموت ، والقائلون بهذا قالوا : المراد بالفزع أي كادوا يموتون من الفزع وشدة الصوت ، وعلى هذا التقدير فالنفخة تحصل ثلاث مرات أولها نفخة الفزع وهي المذكورة في سورة النّمل ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام وهما مذكورتان في هذه السورة ، وقوله : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) قال ابن عباس : نفخة الصعق يموت من في السموات ومن في الأرض إلا جبريل وميكائيل وإسرافيل ، ويبقى جبريل وملك الموت ، ثم يموت عزرائيل جبريل ثم يموت ملك الموت ، وقيل : المستثنى هم الشهداء لقوله تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ،) وروى أبو هريرة عن ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «هم الشّهداء متقلّدون أسيافهم حول العرش» (١) ، وقال جابر : هو موسى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأنه صعق ، ولا يصعق.
وقيل : هم الحور العين وسكان العرش والكرسي ، وقال قتادة : الله أعلم بهم وليس في القرآن والأخبار ما يدل على أنهم من هم.
ثم قال : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) وهذا يدل على أن هذه النفخة متأخرة عن النفخة الأولى لأن لفظة «ثم» للتراخي (٢). وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «ما بين النّفختين أربعون» ، قالوا : أربعون يوما قال : أبيت قالوا : أربعون شهرا قال : أبيت قالوا أربعون سنة ، قال : أبيت قال : ثم ينزل الله من السماء ماء فتنبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلّا عظم واحد وهو عجب الذّنب ، وفيه يركب الخلق يوم القيامة (٣).
وقوله : (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) يعني أن قيامهم من القبور يحصل عقيب هذه النفخة الأخيرة في الحال من غير تراخ لأن الفاء في قوله : (فَإِذا هُمْ) يدلّ على التعقيب ، وقوله «ينظرون» أي يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم ، وقيل : ينظرون ماذا يفعل بهم ، ويجوز أن يكون القيام بمعنى الوقوف والجمود في مكان لأجل استيلاء الحيرة والدهشة عليهم (٤).
قوله : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ) العامة على بنائه للفاعل ، وابن عباس وأبو الجوزاء (٥)
__________________
(١) الحديث رواه أبو هريرة ورواه الشوكاني في فتح القدير ٤ / ٤٧٧ عن أبي يعلى والدارقطني في الأفراد ، وابن المنذر والحاكم وصححه.
(٢) هذا في تفسير الجامع للإمام القرطبي ١٥ / ٢٨٠ والرازي ٢٧ / ١٨ و ١٩.
(٣) الحديث أخرجه البغوي في معالم التنزيل عن أبي صالح عن أبي هريرة ٦ / ٨٥ وقد رواه الإمام البخاري في صحيحه ٣ / ١٨٢ عن أبي هريرة.
(٤) انظر : الرازي ٢٧ / ١٨ و ١٩.
(٥) أوس بن عبد الله الربعي أبو الجوزاء البصري ، عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وعنه بديل بن ميسرة ، وقتادة ومحمد بن جحادة مات سنة ٨٣ ه انظر : الخلاصة ٤١.