«قلوبهم» عائدا على الملائكة وقدر ذلك وضعف قول من جعله عائدا على الكفار أو على جميع العالم.
وقوله : (قالُوا ما ذا) هو جواب «إذا» ، وقوله : (قالُوا الْحَقَّ) جواب لقوله : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ)(١) و «الحقّ» منصوب بقال مضمرة أي قالوا : قال ربّنا الحقّ أي القول الحقّ (٢) ، إلّا أنّ أبا حيان ردّ هذا فقال : وما قدّره ابن عطية لا يصح لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها (و) (٣) هم منقادون عنده دائما لا ينفكون عن ذلك لا إذا فزّع عن قلوبهم ولا إذا لم يفزّع(٤).
الثالث : أنه «زعمتم» أي زعمتم الكفر في غاية التفريغ ثم تركتم ما زعمتم وقلتم : قال الحق وعلى هذا يكون في الكلام التفات من خطاب في قوله : «زعمتم» إلى الغيبة في قوله : قلوبهم» (٥).
الرابع : أنه ما فهم من سياق الكلام (٦) ، قال الزمخشري : فإن قلت (٧) : بأي شيء اتصل قوله: (حَتَّى إِذا فُزِّعَ)؟ ولأي شيء وقعت «حتّى» غاية؟ قلت : بما فهم من هذا الكلام من أن ثمّ انتظارا للأذن وتوقفا وتمهلا وفزعا من الراجين الشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم أو لا يؤذن؟ وأنه لا يطلق الإذن إلّا بعد مليّ من الزمان وطول من التّربّص ودل على هذه الحالة قوله ـ عزّ من قائل ـ (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [النبأ : ٣٧] إلى قوله : (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ : ٣٨] فكأنه قيل : يتربصون ويتوقفون مليّا فزعين وجلين (٨) حتى إذا فزّع عن قلوبهم أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن تباشروا بذلك وقال بعضهم لبعض : ماذا قال ربّكم قالوا الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى وقرأ ابن عامر فزّع مبنيا للفاعل (٩). فإن كان الضمير في «قلوبهم» للملائكة فالفاعل في «فزع» ضمير اسم الله تعالى لتقدم ذكره وإن كان للكفار فالفاعل ضمير مغويهم. كذا قال أبو حيان (١٠). والظاهر أنه يعود على الله
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٤٣٥.
(٢) المرجع السابق وقد قال ابن الأنباري في البيان «ما» في موضع نصب ب «قال» و «ذا» زائدة وكذلك ينصب الجواب ب «قال» وهو قوله تعالى : «قالُوا الْحَقَّ» انظر : البيان ٢ / ٢٨٠.
(٣) تكملة من البحر من كلام أبي حيان فيه.
(٤) البحر المحيط ٧ / ٢٧٨.
(٥) المرجع السابق وانظره أيضا في السمين ٤ / ٤٣٥.
(٦) السابق.
(٧) مع تغيير قليل في عبارته. انظره في الكشاف ٣ / ٢٨٧ و ٢٨٨.
(٨) كذا في «ب» وما في «أ» والكشاف «وهلين».
(٩) قاله ابن الجزري في النشر ٢ / ٣٥١ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٨٨ وأبو حيان في البحر ٧ / ٢٧٨ والبناء في الإتحاف ٣٥٩ وهي عشرية.
(١٠) البحر ٧ / ٢٧٨.