الثاني : أن كافّة مصدر جاءت على الفاعلة كالعاقبة والعافية وعلى هذا فوقوعها حالا إما على المبالغة وإما على حذف مضاف أي ذا كافّة للنّاس (١).
الثالث : أن كافة صفة لمصدر محذوف تقديره : إلا إرسالة كافّة قال الزمخشري : إلّا إرسالة عامّة لهم محيط بهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم (٢). قال أبو حيان : أما كافة بمعنى عامة فالمنقول عن النحويين أنها لا تكون إلا حالا ولم يتصرف فيها بغير ذلك فجعلها صفة لمصدر محذوف خروج عما نقلوا ، ولا يحفظ أيضا استعمالها صفة لموصوف محذوف (٣).
الرابع : أن «كافة» حال من «للنّاس» أي للناس كافة إلا أنّ هذا قدره الزمخشري فقال : «ومن جعله حالا من المجرور متقدما عليه فقد أخطأ لأن تقدم حال المجرور عليه في الإحالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار وكم ترى من يرتكب مثل هذا الخطأ ثم لا يقنع به حتى يضمّ إليه أن يجعل اللام بمعنى «إلى» ؛ لأنه لا يستوي له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني فيرتكب (٤) الخطأين معا» (٥). قال أبو حيان : أما قوله كذا (٦) فهو مختلف فيه ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز ، وذهب أبو علي (٧) وابن كيسان (٨) وابن برهان (٩) وابن ملكون (١٠) إلى جوازه قال : وهو الصحيح (١١) قال : ومن أمثله أبي علي : «زيد خيرا ما يكون خير منك» التقدير : زيد خير منك خيرا ما يكون فجعل «خيرا ما يكون» حالا من الكاف في «منك» وقدمها عليها وأنشد :
٤١٣٤ ـ إذا المرء أعيته المروءة ناشئا |
|
فمطلبها كهلا عليه شديد (١٢) |
__________________
(١) البحر المحيط ٧ / ٢٨١.
(٢) قاله في الكشاف ٣ / ٢٩٠.
(٣) قال ذلك في البحر المحيط ٧ / ٢٨١.
(٤) في الكشاف : «فلا بدّ له من ارتكاب الخطأين».
(٥) انظر : الكشاف ٣ / ٢٩٠.
(٦) قاله في البحر المحيط ٧ / ٢٨١.
(٧) هو الفارسي.
(٨) هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان كان يحفظ أقوال البصريين والكوفيين فقد أخذ عن ثعلب والمبرّد له مصنفات في النحو منها المهذّب ، والمختار في علل النحو ، مات سنة ٢٩٩ ه انظر : إنباه الرواة ٣ / ٥٧ ـ ٥٩ ونزهة الألباء ١٦١.
(٩) أبو القاسم عبد الواحد بن علي العكبري نظر في النحو واشتهر فيه وله آراء منثورة في كتب النحو مات سنة ٤٥٦ ه انظر : المرجع السابق إنباه الرواة ٢ / ١١٣ ـ ٢١٥ وانظر : بغية الوعاة للسيوطي ٢ / ١٢٠.
(١٠) ترجم له سابقا.
(١١) قال السيوطي في الهمع : «فقد قال بالجواز مطلقا الفارسيّ وابن كيسان وابن برهان وصححه ابن مالك». الهمع ١ / ٢٤١ ..
(١٢) من الطويل وهو للمخبّل السعدي. وشاهده : «كهلا عليه» حيث قدم الحال على صاحبها المجرور بحرف وهناك حال آخر وهو «ناشئا» ولا شاهد فيه ، انظر : الأشموني ٢ / ١٧٨ والدر المصون ٤ / ٤٤٢ والبحر المحيط ٧ / ٢٨١ وشرح رضي الدين على كافية ابن الحاجب ١ / ٢٠٧ وفتح القدير برواية «السّيادة» بدل «المروءة» ٤ / ٣٢٧ ومجمع البيان ٧ / ٧٩١ وعيون الأخبار لابن قتيبة ١ / ٢٤٧ ، وشرح ديوان الحماسة ١١٤٨.