عن الإيمان بالله ورسوله وهذا إشارة إلى أن كفرهم كان لمانع لأن بعد المقتضي لا يمكنهم أن يقولوا : ما جاءنا رسول ولا أن يقولوا : قصر الرسول لأن الرسول لو أهمل شيئا لما كانوا يقولون لو لا (١) المستكبرون. ثم أجابهم المستكبرون وهم المتبوعون في الكفر للذين استضعفوا رد لما قالوا إن كفرنا كان لمانع (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) يعني المانع ينبغي أن يكون راجحا على المقتضي حتى يعمل (٢) عمله والذي جاء به هو الهدى ، والذي صدر من المستكبرين لم يكن شيئا يوجب الامتناع من قبول ما جاء به فلم يصحّ تعلّقكم بالمانع (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) بترك الإيمان فبين أن كفرهم كان اجتراما من حيث إن المعذور لا يكون معذورا إلا لعدم المقتضي أو لقيام المانع ولم يوجد شيء منهما. ثم قال (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ) لما قال المستكبرون : إنا صددنا ، وما صدر منا ما يصلح مانعا وصادفا اعترف المستضعفون به وقالوا بل مكر الليل والنهار أي مكركم في الليل والنهار (٣). واعلم أنه يجوز رفع «مكر» من ثلاثة أوجه :
أحدها : الفاعلية (٤) تقديره : بل صدّنا مكركم في هذين الوقتين.
الثاني : أن يكون مبتدأ خبره محذوف (٥) أي مكر الليل صدّنا.
الثالث : العكس أي سبب كفرنا مكركم. وهو المتقدم في التفسير (٦) ، وإضافة المكر إلى الليل والنهار إما على الإسناد (٧) المجازي كقولهم : ليل ماكر ، فالعرب تضيف الفعل إلى الليل والنهار كقول الشاعر :
٤١٤٠ ـ .......... |
|
ونمت وما ليل المطيّ بنائم (٨) |
__________________
(١) في الرازي : لما كانوا يؤمنون ولو لا المستكبرون لآمنوا.
(٢) انظر هذا كله في تفسير الرازي ٢٥ / ٢٦١.
(٣) تفسير الرازي المرجع السابق.
(٤) قاله ابن جني في المحتسب ٢ / ١٩٣ وأبو البقاء في التبيان ١٠٦٩ وأبو حيان في البحر ٧ / ٢٨٣.
(٥) المحتسب السابق والبحر والدر ٤ / ٤٤٦.
(٦) قاله أبو الحسن الأخفش في المعاني ٢ / ٦٦٣ وأبو حيان في البحر ٧ / ٢٨٣ وجعله النحاس مبتدأ ذا خبر محذوف انظر : إعراب النحاس ٣ / ٣٤٩.
(٧) قاله الأخفش في المعاني ٢ / ٦٦٣ والفراء في المعاني ٢ / ٣٦٣ والنحاس في الإعراب ٣ / ٣٤٩ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٩١.
(٨) هذا عجز بيت من الطويل لجرير صدره :
لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى |
|
... |
والشاهد : «بنائم» حيث أسنده إلى الليل إسنادا مجازيّا وذلك للاتساع في ذلك كما أوضح أعلى وانظر : المقتضب ٣ / ١٠٥ والمحتسب ٢ / ١٨٤ وإعراب النحاس ٣ / ٣٤٩ ومجمع البيان ٧ / ٦١٣ والطبري ٢٢ / ٦٧ والإنصاف ٢٤٣ والنقائض ٧٥٣ وفتح القدير ٤ / ٣٢٨ والكتاب ١ / ١٦٠ وديوانه ٥٥٣ دار ـ