قوله : (إِلَّا مَنْ) فيه أوجه :
أحدها : أنه استثناء منقطع (١) فهو منصوب المحل والمعنى لكن من آمن وعمل صالحا ، قال ابن عباس يريد من آمن إيمانه وعمله يقربه منّي (٢).
الثاني : أنه في محل جر بدلا من الضمير في : «أموالكم» قاله الزجاج (٣). وغلّطه النّحّاس بأنه بدل ضمير من ضمير المخاطب قال : ولو جاز هذا لجاز : رأيتك زيدا (٤) ، وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء انتهى (٥). قال أبو حيان : ومذهب الأخفش والكوفيين أنه يجوز البدل من ضمير المخاطب والمتكلم إلا أن البدل في الآية لا يصح ألا ترى أنه لا يصح تفريغ الفعل الواقع صلة لما بعد إلا لو قلت : ما زيد بالّذي يضرب إلّا خالدا لم يجز. وتخيل الزجاج أن الصلة وإن كانت من حيث المعنى منفية أنه يجوز البدل وليس بجائز إلا أن يصح التفريغ له (٦). قال شهاب الدين : ومنعه قولك «ما زيد بالّذي يضرب إلّا خالدا» فيه نظر لأن النفي إذا كان منسحبا على الجملة أعطى حكم ما لو باشر ذلك الشيء ألا ترى أن النفي في قولك : «ما ظننت أحدا يفعل ذلك إلّا زيد» سوغ البدل في زيد من ضمير «يفعل» وإن لم يكن النفي متسلطا عليه وقالوا ولكنه لما كان في حيّز النفي صح فيه ذلك فهذا (٧) مثله والزمخشري أيضا تبع الزجاج والفراء في ذلك من حيث المعنى إلا أنه لم يجعله بدلا بل منصوبا على أصل الاستثناء فقال: (إِلَّا مَنْ آمَنَ) استثناء من «كم» في «نقرّب» (٨) والمعنى أن الأموال لا تقرب أحدا إلا المؤمن الذي ينفقها في سبيل الله والأولاد لا تقرب أحدا إلا من علّمهم الخير وفقّههم في الدّين ورشّحهم للصّلاح (٩). ورد عليه أبو حيان بنحو ما تقدم فقال : لا يجوز : «ما زيد بالّذي يخرج إلّا أخوه» ، و «ما زيد بالّذي يضرب إلّا عمرا» (١٠). والجواب عنه ما تقدم وأيضا فالزمخشري لم يجعله بدلا بل استثناء صريحا ، ولا يشترط في الاستثناء التفريغ اللفظي
__________________
(١) قاله أبو البقاء في التبيان ١٠٧٠ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٨٢ ومكّيّ في المشكل ٢ / ٢١١ والنحاس في الإعراب ٣ / ٣٥٢.
(٢) قاله القرطبي ١٤ / ٣٠٦.
(٣) معاني القرآن وإعرابه له ٤ / ٢٥٥.
(٤) إعراب القرآن له ٤ / ٣٥٢.
(٥) في الحقيقة لم يعربها الفراء بدلا في معاني القرآن ٢ / ٣٦٣ بل أجازها على الاستثناء أو على المفعول به أو على الخبر قال : «في موضع نصب بالاستثناء وإن شئت أوقعت عليها التقريب وإن شئت جعلته رفعا أي ما هو إلّا من آمن».
(٦) قاله في بحره ٧ / ٢٨٦.
(٧) الدر المصون ٤ / ٤٤٩.
(٨) التقريب هو الأصح فالمستثنى منه : «كم» من تقرّبكم لا «أموالكم» كما وهو المؤلف أعلى. وقال بذلك القرطبي في الجامع ١٤ / ٣٠٦ ومكي في المشكل ٢ / ٢١١ وأبو حيان في البحر ٧ / ٢٨٦ والمعنى يؤيد ما نقول فالمعبرة بالتقريب من «تقربكم» ولعله سهو من المؤلف أن قال بهذا نقلا عن الزجاج.
(٩) كشاف الزمخشري ٣ / ٢٩٢.
(١٠) البحر المحيط ٧ / ٢٨٦.