بل الإسناد المعنوي ألا ترى أنك تقول : قام القوم إلّا زيدا ولو فرغته لفظا لامتنع لأنه مثبت وهذا الذي ذكره الزمخشري هو الوجه الثالث في المسألة (١). الرابع : أنّ (مَنْ آمَنَ) في محلّ رفع على الابتداء والخبر (٢).
قوله : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) قال الفراء : هو في موضع رفع تقديره ما هو المقرب إلّا من آمن ، وهذا ليس بجيد وعجيب من الفراء كيف يقوله. قوله : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) ، قرأ العامة جزاء الضعف مضافا على أنه مصدر مضاف لمفعوله ، أي أن يجازيهم الضّعف وقدره الزمخشري مبنيا للمفعول أي يجزون الضّعف (٣). ورده أبو حيان بأن الصحيح منعه (٤). وقرأ قتادة برفعها (٥) على إبدال الضّعف من «جزاء» (٦). وعنه أيضا وعن يعقوب بنصب جزاء على الحال منونا والعامل فيها الاستقرار (٧). وهذه كقوله : (فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى)(٨) ، فيمن قرأه بالنصب نصب جزاء في الكهف.
قوله : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) قرأ حمزة الغرفة (٩) بالتوحيد على إرادة الجنس ولعدم اللبس لأنه معلوم أن لكل أحد غرفة تخصه وقد أجمع على التوحيد في قوله : (يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) [الفرقان : ٧٥] ، ولأن لفظ الواحد أخف فوضع موضع الجمع مع أمن اللبس والباقون «الغرفات» جمع سلامة (١٠) وقد أجمع على الجمع في قوله : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) [العنكبوت : ٥٨] والرسم محتمل للقراءتين. وقرأ الحسن بضم راء غرفات (١١) على الإتباع وبعضهم يفتحها (١٢)
__________________
(١) قاله شهاب الدين السمين في الدر المصون ٤ / ٤٥٠.
(٢) قاله أبو البقاء في التبيان ١٠٧٠ والفراء في المعاني ٢ / ٣٦٣.
(٣) قال في الكشاف ٣ / ٢٩٢ : «فأولئك لهم أن يجازوا الضّعف».
(٤) البحر المحيط ٧ / ٢٨٦.
(٥) قال بها القرطبي ١٤ / ٣٠٦ وأبو حيان ٢٨٦ / ٧ والكشاف ٣ / ٢٩٢ والفراء في المعاني ٢ / ٣٦٣ و ٣٦٤ وتلك قراءات شاذة رواية ولكنها تصح عربية كما أوضح بذلك الزجاج ٤ / ٢٥٦ والفراء ٢ / ٣٦٤.
(٦) المرجعان السابقان.
(٧) من القراءات العشرية المتواترة أوردها ابن الجزري في النشر ٢ / ٣٥١ وانظر : تقريب النشر ١٦٢ ، والإتحاف ٣٦٠.
(٨) الكهف الآية ٨٨ وهي قراءة سبعية متواترة وانظر : السبعة ٣٩٩ والإتحاف ٢٩٤ ومعاني الفراء ٢ / ٣٦٤ والكشف ٢ / ٧٥.
(٩) القرطبي ١٤ / ٣٠٦ والكشاف ٣ / ٢٩٢ والكشف ٢ / ٢٠٨.
(١٠) بالتأنيث وانظر المراجع السابقة.
(١١) روي عنه في الإتحاف أنه يقرأ بإسكان الراء الإتحاف ٣٦٠ والمختصر لابن خالويه ١٢٢ ولعلها قراءة أخرى نسبت له والإسكان جائز للخفة والسهولة فإذا كانوا يخففون الفتحة في «عضد» أي الواحدة فمن باب أولى أن تخفف الضمتان المتتاليتان.
(١٢) لم تنسب في البحر ٧ / ٢٨٦ والكشاف ٣ / ٢٩٢ وابن خالويه ١٢٢.