«فذوقوا» (١) ويحتمل أن يكون داخلين في الخطاب حتى يصح معنى قوله : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ) أي الملائكة (٢) والجن وإذا لم تملكوها لأنفسكم فلا تملكوها لغيركم ، ويحتمل أن يكون الخطاب والمخاطب هم الكفار لأن ذكر اليوم يدل على حضورهم وعلى هذا فقوله (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) إنما ذكره تأكيدا لبيان حالهم في الظلم.
فإن قيل : قوله «نفعا» مفيد للحسرة فما فائدة ذكر الضرّ مع أنهم لو كانوا يملكون الضر لما نفع الكافرين ذلك؟
فالجواب : لما كان العبادة نفع لدفع ضرر المعبود كما يعبد الجبّار ، ويخدم مخافة شره بين أنهم ليس فيهم ذلك الوجه الذي يحسن لأجله عبادتهم.
فإن قيل : قوله ههنا : (الَّتِي كُنْتُمْ بِها) صفة للنار وفي السجدة وصف العذاب فجعل المكذب هنا النار وجعل المكذب في السجدة العذاب وهم كانوا يكذبون بالكل فما فائدته؟
فالجواب : قيل : لأنهم هناك كانوا ملتبسين (٣) بالعذاب مترددين فيه بدليل قوله : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [السجدة : ٢٠] فوصف لهم ما لابسوه وهنا لم يلابسوه بعد لأنه عقيب حشرهم وسؤالهم فهو أول ما رأوا النار فقيل لهم : هذه النار التي كنتم بها تكذبون (٤).
قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا) يعنون محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) فعارضوا البرهان بالتقليد (وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) يعنون (٥) القرآن وقيل : القول بالوحدانية (٦)(إِفْكٌ مُفْتَرىً) كقوله تعالى في حقهم : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) [الصافات : ٨٦] وكقولهم للرسول : (أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا) [الأحقاف : ٢٢] وعلى هذا فيكون قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بدلا (٧) وقالوا للحقّ لمّا جاءهم ؛ هذا إنكار للتوحيد وكان مختصا بالمشركين ، وأما إنكار القرآن والمعجزة فكان متفقا عليه بين المشركين وأهل الكتاب فقال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ) على العموم (٨).
قوله : (وَما آتَيْناهُمْ) يعني هؤلاء المشركين (مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) العامة على
__________________
(١) في (ب) ذوقوا بدون الفاء.
(٢) تصحيح العبارة كما في الفخر الرازي : أي الملائكة والحاضر الواحد يجوز أن يجعل من يشاركه في أمر مخاطبا بسببه ويحتمل أن يكون معهم الجن أي لا يملك بعضكم لبعض أيها الملائكة والجن ... إلخ.
(٣) في «ب» متلبسين.
(٤) وانظر هذا كله في تفسير الرازي ٢٥ / ٢٦٥ و ٦٦.
(٥) نقله القرطبي ١٤ / ٣١٠.
(٦) قاله الرازي ٢٥ / ٢٦٦.
(٧) في الرازي : بدلا عن أن يقول.
(٨) قاله الرازي ٢٥ / ٢٦٦ و ٢٦٧.