التخفيف مضارع «درس» مخففا أي حفظ (١) وأبو حيوة يدرّسونها بفتح الدال مشددة وكسر الراء (٢) والأصل «يدترسونها» من الادّراس على الافتعال فأدغم ، وعنه أيضا بضم الياء وفتح الدال وتشديد الراء من التّدريس (٣). والمعنى يقرأونها وقوله : (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ) أي إلى هؤلاء المحاضرين (٤) لك لم ترسل إليهم أي لم يأت العرب قبلك نبي ولا نزل عليهم كتاب ولا أتاهم نذير يشافههم بالنّذارة غيرك (٥) ، فلا تعارض بينه وبين قوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤] إذ المراد هناك آثار النذير. ولا شك أن هذا كان موجودا يذهب النبي وتبقى شريعته ، ثم بين أنهم كالذين من قبلهم كذّبوا مثل عاد وثمود وغيرهم.
قوله : (وَما بَلَغُوا) الظاهر أن الضمير في «بلغوا» وفي «آتيناهم» للّذين من قبلهم (٦) ليناسق قوله : (فَكَذَّبُوا رُسُلِي) يعني أنهم لم يبلغوا في شكر النعمة وجزاء المنّة (مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) من النعم والإحسان إليهم (٧). وقيل : بل ضمير الرفع لقريش والنصب (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وهو قول ابن عباس على معنى أنهم كانوا أكثر أموالا ، وقيل : بالعكس على معنى إنا أعطينا قريشا من الآيات والبراهين ما لم نعط من قبلهم (٨). واختلف في المعشار فقيل : هو بمعنى العشر بني مفعال من لفظ العشر كالمرباع ، ولا ثالث لهما من ألفاظ العدد لا يقال : مسداس ولا مخماس (٩) ، وقيل : هو عشر العشر (١٠) ، إلا أن ابن عطية أنكره وقال : ليس بشيء (١١) ، وقال الماورديّ : المعشار هنا عشر العشير (١٢) ، والعشير هو عشر العشر (١٣)
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٤٥٢.
(٢) ذكرها أبو حيان في بحره ٧ / ٢٨٩ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٩٤ وابن خالويه في المختصر ١٢٢ وابن جني في المحتسب ٢ / ١٩٥.
(٣) البحر ٧ / ٢٨٩ والكشاف ٣ / ٢٩٤.
(٤) في «ب» المعاصرين.
(٥) هذا معنى قول قتادة في زاد المسير ٦ / ٤٦٣ و ٤٦٤.
(٦) كلام في المعنى من البحر المحيط ٧ / ٢٨٩ والمصون ٤ / ٤٥٢.
(٧) المرجعان السابقان.
(٨) المرجعان السابقان.
(٩) هو قول الزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٩٤ والأخفش في معاني القرآن ٢ / ٦٦٣ والفراء في معاني القرآن أيضا ٢ / ٣٦٤ والزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٥٦ وقد قال الأخفش : «ولا يقولون هذا في سوى العشر».
(١٠) قاله أبو حيان في البحر ناقلا له ٧ / ٢٩٠ والقرطبي في الجامع ١٤ / ٣١٠ والسمين في الدر ٤ / ٤٥٣.
(١١) نقله عنه أبو حيان في بحره (٧ / ٢٩٠).
(١٢) المراجع السابقة.
(١٣) قال في اللسان عشر : «والعشر والعشير جزء من عشرة يطّرد هذان البناءان في جميع الكسور والجمع أعشار وعشور وهو المعشار. وفي التنزيل : «وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ». والعشير الجزء من أجزاء العشرة وجمع العشير أعشراء مثل نصيب وأنصباء ولا يقولون هذا في شيء سوء العشر ، والعشير والعشر واحد مثل الثّمين والثّمن والسّديس والسّدس». اللسان : «ع ش ر» ٢٩٥٣.