وقيل : على معنى : (فَلا فَوْتَ) أي فلم يفوتوا وأخذوا (١) ، وقرأ عبد الرحمن مولى هاشم (٢) ، وطلحة فلا فوت وأخذ مرفوعين منونين (٣) ، وأبيّ يفتح «فوت» ، ورفع «أخذ» (٤) ، فرفع «فوت» على الابتداء أو على اسم لا الليسية (٥) ، ومن رفع «وأخذ» رفعه بالابتداء والخبر محذوف (٦) أي وأخذ هناك أو على خبر ابتداء مضمر أي وحالهم أخذ. ويكون من عطف الجمل مثبتة على منفية(٧).
قوله : (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) قال الكلبي : من تحت أقدامهم. وقيل : أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها. وحيث ما كانوا فهم من الله قريب لا يفوتونه. وقيل : من مكان قريب يعني عذاب الدنيا. قال الضحاك : هو يوم بدر. وقال ابن أبزى : خسف بالبيداء (٨). وجواب (لَوْ تَرى) محذوف أي لرأيت أمرا يعتبر (٩) به.
قوله : (وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) أي عند اليأس. والضمير في «به» (١٠) لله (١١) أو للرسول (١٢) ، أو للقرآن (١٣) أو للعذاب أو للبعث (١٤) و (أَنَّى لَهُمُ) أي من أين لهم أي كيف يقدرون على الظّفر بالمطلوب وذلك لا يكون إلّا في الدنيا وهم في الآخرة والدنيا من الآخرة بعيدة (١٥).
فإن قيل : فكيف قال في كثير من المواضع : إنّ الآخرة من الدنيا قريبة وسمى الله الساعة قريبة فقال : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء : ١] (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) [الشورى : ١٧].
__________________
(١) قاله الزمخشري في الكشاف المرجع السابق.
(٢) هو عبد الرحمن بن عبد الله المدني مولى بني هاشم ، روى الحروف عن نافع. انظر غاية النهاية في طبقات القراء ١ / ٣٧٢.
(٣) ذكرها ابن جني في المحتسب ٢ / ١٩٦ وابن خالويه في المختصر ١٢٢ وأبو حيان في البحر ٧ / ٢٩٣ ولم يعترف بها الزجاج. قال : «ويجوز فلا فوت ولا أعلم أحدا قرأ بها فإنها لم تثبت رواية فلا تقرأنّ بها فإن القراءة سنة» الزجاج ٤ / ٢٥٨.
(٤) نسب ابن خالويه هذه القراءة لطلحة بن مصرف السابق أعلى. انظر ١٢٢ ولم ينسبها الزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٩٦ وقد نسب القراءة لأبيّ أبو حيان في البحر ٧ / ٢٩٣.
(٥) أي التي تعمل عمل ليس. وانظر : الدر المصون ٤ / ٤٥٧.
(٦) قاله أبو الفتح عثمان بن جني في المحتسب ٢ / ١٩٦ وأبو حيان في البحر ٧ / ٢٩٣ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٩٦ والدر المصون ٤ / ٤٥٧.
(٧) البحر والدر المرجعان السابقان.
(٨) انظر هذه الآراء في البحر السابق وتفسير البغوي ٥ / ٢٩٥ و ٢٩٦.
(٩) في «ب» تعتبر به بالتّاء.
(١٠) انظر هذه الأقوال في القرطبي ١٤ / ٣١٥.
(١١) وهو قول مجاهد.
(١٢) وهو قول قتادة.
(١٣) قاله القرطبي ١٤ / ٣١٥.
(١٤) وهو قول الحسن رضي الله عنه.
(١٥) قاله الرازي ٢٥ / ٢٧١.