فالجواب : أن الماضي كالأمس الدابر وهو أبعد ما يكون ؛ إذ لا وصول إليه والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنين فإنه آت فيوم القيامة الدنيا بعيدة منه لمضيّها ويوم القيامة في الدنيا قريب لإتيانه(١).
قوله : «التّناوش» مبتدأ و «أنّى» خبره ، أي كيف لهم التناوش و «لهم» حال ، ويجوز أن يكون «لهم» رافعا للتناوش لاعتماده على الاستفهام تقديره كيف استقر لهم التناوش؟ وفيه بعد (٢) ، والتناوش مهموز في قراءة الأخوين وأبي عمرو ، وأبي (٣) بكر وبالواو في قراءة غيرهم ، فيحتمل أن يكونا مادتين مستقلتين مع اتّحاد معناهما (٤) ، وقيل : الهمزة عن الواو لانضمامها كوجوه وأجوه ، ووقّتت وأقّتت وإليه ذهب جماعة كثيرة كالزّجّاج (٥) والزّمخشري (٦) وابن عطية (٧) والحوفي (٨) وأبي البقاء (٩) ، قال الزجاج : كل واو مضمومة ضمة لازمة فأنت فيها بالخيار (١٠) ، وتابعه الباقون (١١) قريبا من عبارته. وردّ أبو حيان هذا الإطلاق وقيده بأنه لا بدّ أن تكون الواو غير مدغم فيها تحرزا من التعوذ وأن تكون غير مصححة في الفعل فإنها متى صحت في الفعل لم تبدل همزة نحو : ترهوك ترهوكا ، وتعاون تعاونا. وهذا القيد الآخر يبطل قولهم لأنها صحت في : «تناوش يتناوش» ، ومتى سلم له هذان القيدان أو الأخير منهما ثبت رده (١٢). والتّناوش الرجوع ، قال :
٤١٤٣ ـ تمنّى أن تئوب إليّ ميّ |
|
وليس إلى تناوشها سبيل (١٣) |
__________________
(١) الرازي المرجع السابق.
(٢) قاله شهاب الدين في الدر المصون ٤ / ٤٥٧.
(٣) من القراءات المتواترة. قاله مكي في الكشف ٢ / ٢٠٨ وابن الجزري في النشر ٢ / ٣٥١ وتقريبه ١٦٢ وابن خالويه في الحجة ٢٩٥ وانظر التبيان ١٠٧١ والبيان ٢ / ٢٨٤ ومعاني الفراء ٢ / ٣٦٥ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٥٩ وإعراب النحاس ٣ / ٣٥٦ ، ومشكل الإعراب لمكيّ ٢ / ٢١٣ وتفسير القرطبي ١٤ / ٣١٦ والكشاف ٣ / ٢٩٦.
(٤) البحر المحيط ٧ / ٢٩٤ والدر المصون ٤ / ٤٥٧.
(٥) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٥٩.
(٦) الكشاف ٣ / ٢٩٦.
(٧) البحر المحيط ٧ / ٢٩٤.
(٨) المرجع السابق.
(٩) التبيان ١٠٧١ وقال النحاس في الإعراب ٣ / ٣٥٦ : «والقراءة جائزة حسنة ولها وجهان في كلام العرب ولا يتناول بها هذا المتناول البعيد فأحد الوجهين أن يكون الأصل غير مهموز ثم همزت الواو لأن الحركة فيها خفية وذلك كثير في كلام العرب والوجه الآخر أن يكون مشتقا من النئيش ، وهو الحركة في إبطاء». إعراب النحاس ٤ / ٣٥٦.
(١٠) قال : «إن شئت أبدلت منها همزة وإن شئت لم تبدل نحو قولك أدور وتقاوم». انظر معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٥٩.
(١١) من هؤلاء أبو جعفر النحاس في كتابه «إعراب القرآن» المرجع السابق.
(١٢) هذا رد أبي من أبي حيان على الزجاج. والصحيح ما ذهب إليه أبو إسحاق الزجاج حيث إن السّماع يؤيده وكلا المعنيين قريبان من بعضهما.
(١٣) من الوافر وهو مجهول وشاهده : «تناوشها» ، فإنه بمعنى رجوعها. والبيت في البحر ٧ / ٢٩٤ والقرطبي ١٤ / ٣١٦ والدر المصون ٤ / ٤٥٨.