ولذلك عبّر القرآن الكريم في القتل : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) ؛ لأنّ الإيمان به تعالى بنفسه زاجر عن القتل العمدي ، فلا يليق بحال المؤمن أن يقتل مؤمنا ، وإذا عرض له قتل المؤمن من باب الاتّفاق ـ أي الخطأ ـ لأنّ الإنسان مجبول على أن يكون محلا لأن يعرض له الخطأ يتداركه بالكفّارة الّتي هي نوع من العقوبة لما حصل له من التقصير بترك الاحتياط الّذي صار سببا لفقد حياة فرد من أفراد المجتمع ، فيكون بذل المال بالتحرير نوعا من تربية النفس وتوجّهها إليه تعالى ، فإن لم يجد ذلك ولا يمكنه نيل هذه المرتبة من التزكية ، فلا أقل من ترك الدنيا والتوجّه إليه جلّ شأنه بالصوم ليذوق وبال خطيئته ، قال تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) [سورة البلد ، الآية : ١٤] ، ولذا قال علماء السير والسلوك : إنّ أوّل قدم السالك أن يخرج من الدنيا ما فيها ، وثانية أن يخرج من النفس وصفاتها.
وأمّا الجذب : فهو القابلية للنيل إلى المقامات الّتي تحصل بها العبوديّة المحضة ومنتهى التقرّب إليه جلّت عظمته ، بل الفناء في سبيله الّذي يتحقّق بالخلع عمّا سواه تعالى. ولهما مراتب كثيرة جدا ، ولكلّ مرتبة منها درجات حتّى تحصل المثليّة ، كما في بعض الروايات الواردة في النوافل ، والغور في البحث مستلزم الخروج عن الموضوع ، ولم أر من يليق بذلك في زماننا هذا.
وبهما يتمّ الإيمان ، وفي إحداهما ـ أي الزجر ـ دون الآخر لا يتحقّق الإيمان وإن اتّصف ذلك بالحسن ، فإن ترك القتل حياء أو لأجل القوانين الوضعيّة في حدّ نفسه حسن ، ولكن لا يترتّب عليه الأثر المترتّب على الإيمان ، وكذا البعد عن الصفات الذميمة أو التخلّق بالأخلاق الحسنة لو حصلا من الكافر ، فإنّه في حدّ نفسه متّصف بالحسن ، وقد يترتّب عليه الأثر الوضعيّة المترتّبة على ذلك ، ولكن الأثر الخاص المنبعث من الإيمان بالله تعالى لا يترتّب عليه ، كما تقدّم في أحد مباحثنا السابقة.