ويأتي ذكر الصلاة بعد الحثّ الشديد إلى الجهاد والترغيب الأكيد إلى الهجرة ؛ للأهميّة العظمى بها في شريعة الإسلام ، حتّى أنّ الخوف من الأعداء وفتنتهم وتحمّل أهوال السفر ومشاقّه ومتاعبه ، لا تحول كلّ ذلك عن أداء الصلاة في أوقاتها. وإنّما تكون على قصر في كلتا الحالتين ، وبالكيفيّة الّتي ذكرها عزوجل في هذه الآيات بالنسبة إلى صلاة الخوف والمطاردة.
ويبيّن عزوجل أنّ الصلاة الّتي هي الصلة بين الإنسان وخالقه لا يمكن أن يكون الخوف المحيط به وهول السفر ومتاعبه مانعا عن أدائها مع شدّة احتياج الإنسان في لحظة الخوف إلى ذكر الله تعالى ليطمئن قلبه ، ثمّ تنتهي الآيات المباركة بالترغيب إلى ملاحقة أعداء الله تعالى وتعقيب المشركين ومقاتلتهم ، فكانت هذه الآية الكريمة ختام آيات الجهاد الّتي بدأت بالقتال وأخذ الحيطة والحذر ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) [سورة النساء ، الآية : ٧١] ، فكان الختام بالآية المباركة الّتي لخّصت الموقف كلّه ، وهو الدعوة إلى القتال وملاحقة المشركين حتّى يكفّ بأس الكافرين ويدفع أذاهم عن الإسلام والمؤمنين.
وتتضمّن الآية الكريمة حقيقة من الحقائق الّتي يكون لها الأثر الكبير في حسم الموقف وتحريض المؤمنين وتهيئتهم.
التفسير
قوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ).
الضرب في الأرض : هو السفر والسير على ما تقدّم. والجناح الإثم المائل بالإنسان عن الحقّ ، وهو مأخوذ من الجناح الّذي في الطير ، ومنه قوله تعالى :