«فبي يفتنون وعني تسألون» ، أي : تمتحنون بي في الدنيا والآخرة ، ويتعرّف على إيمانكم بتصديق نبوّتي ، وتقدّم الكلام في اشتقاق هذه الكلمة ، وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه ، ثمّ كثر حتّى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والصرف عن الشيء ، ويراد بها في المقام الإيذاء بالقتل والضرب والتعذيب ونحوها.
والجملة شرط لنفي الجناح في قصر الصلاة ، أي : لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم الأذيّة والتعذيب من الّذين كفروا. ومفهوم الشرط وإن كان حجّة إلّا أنّه يعتبر فيه أن يكون الشرط علّة تامّة منحصرة للجزاء ، وإلّا فلا مفهوم له كما في المقام ، فإنّ الشرط إنّما هو لبيان الواقع ، إذ أنّ في بدء التشريع الغالب كان على المسلمين الخوف في الأسفار ، فتكون الآية الشريفة لبيان أحد مصاديق القصر ، وأمّا السنّة الشريفة فقد بيّنت بقية المصاديق ودلّت على شمول القصر لجميع الأقسام والصور.
بل يمكن أن يقال : إنّ المستفاد من الأدلّة الواردة في هذا المقام أنّ السفر مستقلّ في وجوب القصر من غير مدخليّة الخوف فيه ، كما أنّ الخوف بنفسه مستقلّ في القصر أيضا ، كما سيأتي. وبناء على ذلك لا وجه لما عن بعض من اشتراط القصر في السفر بالخوف ؛ لظاهر الآية الشريفة الّذي عرفت أنّه لا حجّية فيه. على أنّه معارض بما هو أقوى حجّة على عدم الاشتراط ، وسيأتي في البحث الروائي والفقهي ما يتعلّق بذلك.
والحاصل : أنّ الخوف من الفتنة والقتل من قبيل بيان إحدى حكم تشريع القصر في السفر ، لا أن يكون شرطا فيه ، وهو أيضا من باب الغالب في الأزمنة القديمة ، لا سيما عصر نزول الآية الشريفة.
قوله تعالى : (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً).
العدو يستوي فيه الواحد والجمع ، وقيل : هو مصدر على وزن فعول