ثمّ إنّ هذا البرهان ، أي : وحدة الفعل الدالّة على وحدة الفاعل واستجماعه للصفات العليا ، لا ينافي القاعدة المعروفة في الفلسفة : «انّ الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد» ، و «انّ الواحد لا يصدر إلّا من الواحد» ، فانّهما لا تنافيان البرهان القويم ؛ لأنّه أيضا يدلّ على وحدة الفعل وإن كان متعدّدا من حيث الأفراد ؛ لأنّها تشترك في وحدة النظام والأثر والغاية ، كما لا ينافي القاعدة الأخرى : «الواحد لا يصدر إلّا من واحد» ، مضافا إلى أنّ القاعدتين المزبورتين إنّما هما في المفارقات والمجرّدات ، والبرهان يجري في ما برز في الوجود من آثاره عزوجل.
وبعبارة أخرى : إذا لا حظنا المجموع من حيث اجتماعهما في وحدة جامعة ، فالبرهان يؤيّد القاعدتين ، وإن لا حظنا الأفراد من حيث كونها مظاهر عظمته وربوبيّته ، فهي تدلّ على وحدة الفاعل أيضا.
والقاعدة ذات مدلولين ، مدلول مطابقي هو ما ذكرناه وما ذكره الفلاسفة في مفادها ، ومدلولها الالتزامي ، وهو أنّ وحدة الفعل تدلّ على وحدة الفاعل ، فاشتركت القاعدة مع البرهان ، فيمكن أن تجعل الآيات الشريفة المتقدّمة دليلا على القاعدتين المزبورتين أيضا.