وأمّا ما ذكره بعض المفسّرين من أنّ المراد من قوله تعلى : (بِآخَرِينَ) ، أي : جنسا غير جنس الناس ، فهو بعيد عن سياق هذه الآية الكريمة وإن كان يناسب قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) [سورة إبراهيم ، الآية : ٢٠] ، وردّه بعضهم بأنّه خطأ ؛ لمخالفته لاستعمال العرب ؛ أو لأنّه من قبيل المجاز ولا يتم به المراد ، فهو غير صحيح ، وسيأتي في البحث الأدبي ما يتعلّق به إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً).
تعليل لما سبق ، أي : أنّ الله تعالى إنّما يفعل ذلك ويذهبكم ويأت بآخرين مكانكم أطوع لله تعالى وأتقى ؛ لأنّه عزوجل قدير ، أي : بليغ القدرة. وإنّما أبقاكم لإظهار غناه عنكم.
والقدرة من صفات الذات ، ولا يعلم كنهها ولا حقيقتها ـ كسائر صفاته ـ إلّا الله عزوجل ؛ ولذلك إذا أريد وصفها فلا بدّ أن يكون على سبيل النفي ، أي : لا يعجره شيء.
وإتيان الفعل الماضي (الناقص) في المقام وأمثاله ؛ لبيان الثبوت والتحقّق في مثل هذه الصفات ؛ ولدفع ما قد يتوهّم أنّه يحدث في ذاته وصفاته ، فهذه الأفعال منسلخة عن الزمان لتنزّهه جلّ شأنه عن الزمان والزمانيّات ، وقد ذكرنا ما يتعلّق بذلك أيضا في ما مضى من هذا التفسير فراجع.
قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا).
بيان للعلّة الّتي توجب صرف الناس عن التقوى وإعراضهم عن الطاعة ، وهي الإقبال على الدنيا والرغبة في متاعها ، أي : من ترك التقوى وضيّع وصيته عزوجل الّتي أوصاها لجميع الأمم ابتغاء ثواب الدنيا والرغبة في متاعها ، فإنّ ذلك خطأ وسوء تقدير منه ؛ لأنّ الله تبارك تعالى مالك الدنيا والآخرة.