الثانى ان فى العالم خيرات وشرورا فلو كان مبدأ الخير والشر واحد الزم كون الواحد الحقيقى خيّرا وشريرا معا وهو محال ، فلا بد من مبدءين ، والجواب عنه ما اشار إليه بقوله : ان المراد من الخير والشر الخ ، وتوضيحه ان المراد بالخير ان كان من غلب خيره وبالشرير من غلب شره فالملازمة ممنوعة لان الواحد يمتنع ان يكون غالب الخير وغالب الشر معا ، وان كان المراد بالخير خالق الخير وفاعله وبالشرير خالق الشر وفاعله بغلبة احدهما او تساويهما فاستحالة التالى ممنوعة لان الواحد لا يمتنع ان يفعل الخير والشر معا فى الجملة ، وكلام الشارح اشارة الى الثانى من شقى الترديد فى الجواب.
وانت خبير بان هذا الجواب لا يسمن ولا يغنى من جوع لان الواحد الحقيقى يمتنع ان يصدر عنه المتضادان ، فالتالى مستحيل مطلقا ، فالجواب عن هذا الاستدلال أيضا منع قولهم : ان فى العالم خيرات وشرورا بالذات ومنع قولهم : ان للشرور مبدءا لان كون الشر ليس فى العالم كونا اصيلا ، فلا لها مبدأ كما مر فى الجواب عن استدلالهم الاخر ، ولذلك قال صاحب الشوارق : وهذا الجواب لا يحسم مادة الشبهة لان لهم ان يقرروها بان الله صرف الوجود ومحض الخير فيمتنع ان يصدر عنه الشر الّذي مناطه ليس الا العدم على ما تقرر فى موضعه سواء كان الشر غالبا او مغلوبا لامتناع صدور العدم وفيضانه من الوجود ، انتهى ، وقد مر بعض الكلام فى ذلك مفصلا فى المسألة السابعة من الفصل الاول من المقصد الاول.
قول الشارح : وعن شبهة النظام الخ ـ يعنى انه تعالى ليس له داع الى ايجاد القبيح بل له صارف عنه وهو كونه قبيحا ، فعدم الفعل انما هو بالنظر الى عدم الداعى ووجود الصارف ، فلا ينافى ذلك امكان الفعل بالنسبة إليه تعالى.
اقول : ان النظام لم يفرق بين الامكان الصدورى المعتبر فى القدرة والامكان الوقوعى ، فان القبيح ممكن لله تعالى صدورا وممتنع عنه وقوعا ، والفرق بينهما مبين فى المسألة الخامسة والعشرين من الفصل الاول من المقصد الاول ، فراجع.