واعترض الفخر فى الكتابين على هذا الجواب أيضا بانا نفرض الكلام فيما لا يمكن التورية كما لو سألك الظالم المريد لقتل النبي : أرأيته فى هذه الساعة وانت رأيته ، فان قلت : نعم طالبك وقتله ، وان قلت : لا فقد كذبت ، والجواب ان التورية ممكنة ولو فى هذا المفروض ، مع انه يمكنه اتيان الكذب بصورة الاخبار من غير قصد إليه.
الوجه الثالث منع الملازمة لان الكذب ليس قبيحا بذاته ، بل بالوجوه والاعتبارات كما مر بيانه ، فالكذب بهذه الجهة ليس قبيحا اصلا.
الشبهة الثانية ما نقله الشارح بقوله : لو قال الانسان لا كذبن غدا الخ ، وتوضيحه ان الانسان لو قال : لا كذبن غدا لزم ان لا يكون احد الكذبين قبيحا لانه اما يحسن الوفاء بعهده فى الغد او لا يحسن ، فعلى الاول لزم حسن الكذب فى الغد وعلى الثانى كان قوله : لاكذبن غدا كذبا حسنا ، والجواب انه لا يحسن الوفاء بعهده فى الغد لان فى الوفاء ارتكاب قبيحين : الكذب الّذي يقوله غدا والعزم عليه ، وفى ترك الوفاء قبيح واحد وهو الكذب بقوله : لا كذبن غدا
اقول : ان قوله : لا كذبن غدا اخبار ليس فيه مفهوم العهد والوعد الا بتأويل ان يكون كذبا خاصا مطلوبا لاحد فى الغد فوعده بذلك ، وعلى اى حال سواء جرى فى الغد على ما قال أم لا فهذا الكلام قبيح لانه ان لم يكن له عزم بذلك فهو لغو ، وان كان فوعد بالقبيح او اظهار لعدم التحاشى عن ارتكاب القبيح ، واما فى الغد فان فعل ذلك فقد فعل قبيحا آخر والا فلا ، هذا ان لم يكن فى كذبه غدا مصلحة اقوى من مفسدة الكذب والا فالوعد به والوفاء بوعده كلاهما حسن.
الشبهة الثالثة لو كان العبد مجبورا فى افعاله لما اتصف فعله بالحسن ولا بالقبح العقليين لان مناطهما عندكم هو اختيار العبد كما مر ، لكنه مجبور فلا حسن ولا قبح فى فعله ، والجواب ان العبد ليس مجبورا فى افعاله كما يأتى بيانه فى المسألة السادسة ، وإليه اشار المصنف بقوله : والجبر باطل ، مع ان الامر لو كان كذلك لزم عدم اتصاف فعله بالحسن والقبح الشرعيين أيضا اذ لا يصح تعلق المدح او الذم بفعله ، على ان الكلام بالاصالة فى افعاله تعالى لا افعال العباد.
الشبهة الرابعة ما ذكره الرازى فى الاربعين والبراهين تركها المصنف لشدة