بعد الادبار عنه وتدبر عنه بعد الاقبال إليه ، وهذا الاقبال والادبار يمكنان له فى اى حد من حدود الفعل ان كان فعل النفس لا فعل البدن بحياله كسقوطه من السطح مثلا حين السقوط فلا يذم ولا يمدح على ما ليس تحت اختياره من اجزاء الفعل ، فقول من يقول : ان الإرادة ليست اختيارية فغير مسموع بعد وضوح الامر.
ثم بعد ما بينا من حقيقة الاختيار والإرادة ظهران لا حاجة الى الالتجاء الى القول بتغاير الطلب والإرادة على ما يرى فى بعض كتب اصول الفقه للتخلص عن لزوم الجبر مع ان المجبرة من الاشعرية قائلون بتغايرهما خلافا لغيرهم لان الإرادة اختيارية سواء قلنا بتغايرهما او اتحادهما ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق الحق فى ذلك فى المسألة الحادية عشرة.
واما القول بالشقاوة الذاتية والسعادة الذاتية بمعنى ان بعض الآحاد من الآدميين شقى بذاته وبعضها سعيد بذاته ولا يمكنه التخلف عما يقتضيه ذاته فحديث شعرى لم يقم عليه برهان وان ذهب إليه بعض من لا كثير حظ له من المباحث الحكمية من العلماء المشهورين فى كتابه فى الاصول تبعا لمن خالفه فى المذهب من الجبرية اذ عرف انه من الامامية ، بل العقل والنقل متطابقان على خلافه ، نعم ان كل احد مخمر من الطينتين بذاته على ما مر بيانه آنفا.
وحديث ان الناس معادن كمعادن الذهب والفضة مع انه من المتشابهات ويجب ارجاعه الى المحكمات رواه ابو هريرة ، على ان تمامها : خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الاسلام اذا فقهوا يدل بظاهره على خلاف ذلك لان اشتراط التفقه ( سواء قلنا انه التفقه العقلى او الشرعى ) فى الخيرية يظهر منه ان الخيرية والسعادة من التفقه لا من الذات وان الشرية والشقاوة من عدمه لا منها ، وحديث ان الشقى من شقى فى بطن أمه والسعيد من سعد فى بطن أمه وان كان صحيحا لكنه متشابه ، وان من استشهد به لذلك لم يكن متدبرا فى الآيات والتفاسير الواردة فى السعادة والشقاوة ولا فى احاديث فسر فيها ائمتنا صلوات الله عليهم هذا الكلام المروى عن النبي صلىاللهعليهوآله ولا فى احاديث اخرى وردت فى معناهما والطالب يراجع الوافى والبحار وغيرهما ، وسيأتي