الثانية انهم قالوا : ما الغرض من البعثة؟ هل هو الا استحقاق الثواب بالايمان والطاعة واستحقاق العقاب بالكفر والمعصية ، فنحن ننظر فى آيات خلقه بعقولنا ونشكره بآلائه علينا ، واذا عرفناه وشكرنا له استوجبنا ثوابه واذا انكرناه وكفرنا نعمائه استوجبنا عقابه ، فما الموجب لبعثة الأنبياء؟ والجواب ان العقول لا تهتدى الى حقيقة الايمان وشرائطه والمعارف ووجوه الطاعات وما هو اللائق فى مقام شكره من دون البيان من الله تعالى على لسان اصحاب الوحى لانا نرى الخلائق حيارى مختلفين حتى بعد البعثة والتبيين ، ولكن ذلك لانحرافهم عن الاعلام المنصوبة من الشارع.
الثالثة ان من المستقبح عند العقول اتباع رجل هو مثلك ، يأكل مما تأكل ويشرب مما تشرب وكذا سائر الامور ، فما المرجح لان تتبعه ولا يتبعك؟! وهذه الشبهة مذكورة فى الكتاب حكاية عن منكرى البعثة للنبوة فى مواضع مع الجواب ، قال تعالى : ( قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) ، ثم يقال لهم : أليس لكم مقتدى وامام وبرهمن؟ فما المرجح لامامته مع ان المرجح موجود مع الأنبياء وليس موجودا مع من تقدمكم فان الأنبياء امثال الناس فى ظاهر الصورة وممتازون عنهم بكمال العقل وعلو الروح ونزول الوحى.
الرابعة ما وافقهم فرقة من الصوفية ، وهى ان الأنبياء عليهمالسلام يدعون الخلق الى الطاعات والتكاليف فهم يشغلونهم بغير الله عز وجل والاشتغال بغيره تعالى حجاب عن معرفته ، والجواب منع الكبرى فان الاشتغال بغير الله تعالى الّذي هو الدنيا وشئونها ولذاتها والاتراف فيها حجاب عن معرفته جل وعلا ، واما الاشتغال بالطاعات والعبادات وانتظام امور المعاملات وتزكية النفس عن الكدورات وتحليتها بالفضائل والحسنات والمداومة على ذكره ودعائه والزهد فى زخارف الدنيا وتطهير الظاهر والباطن عن الارجاس والانجاس وغيرها على ما سنه الأنبياء عليهمالسلام فحثوا العباد عليها فيفتح الطريق الى كمال معرفته والوصول الى جوار قربه ، والصغرى أيضا ممنوعة لانهم لم يدعوا الناس الى العبادة والطاعة ، بل الى الله جل وعلا بالعبادة ،