من العظمة والجلال والكبرياء وتضرر نفسه بالعصيان والخطاء حصل له الندم لا محالة واحترق قلبه بنار الندامة على قدر عرفانه بعظمة ربه ففى الحال يتمحل لاطفاء تلك النار وازالة ذلك العار عن ذيل روحه فى مقام عبوديته ، ولا يجد بفطرته طريقا الى ذلك الا التوجه بقلبه الى جناب ربه الرحمن المستعان ، ناظرا الى جمال عفوه ورحمته ومغفرته ، داعيا يا الله يا رحمان يا رحيم يا عفوّ يا غفور ، يا ذا الصفح الجميل يا اهل المغفرة والرحمة يا ذا الجلال والاكرام يا ذا الفضل والانعام يا من اظهر الجميل وستر القبيح يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر يا عظيم العفو يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة يا مقيل العثرات يا كريم الصفح يا ربنا وسيدنا ومولانا ، قائلا لا إله الا انت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسى فاغفر لى واعف عنى وارحم ذلى ومسكنتى فانه لا ربّ لى سواك ولا يغفر الذنوب الا انت يا خير الغافرين ويا ارحم الراحمين ، وهذا مقام الاستغفار والاستعفاء بعد ان قام مقام التوبة القلبية باحتراق قلبه بنار الندامة بعد ملاحظة عظمة ربه وتضرر نفسه ، ثم يأتى من بعد ذلك الى مقام التوبة النفسية بالعزم على ترك طريق الخلاف واخذ طريق الوفاق قائلا : اياك نستعين ولا حول عن معصيتك الا بك ولا قوة على طاعتك الا بك ، ثم يأتى من بعد ذلك الى مقام التوبة العملية بقضاء ما فات عنه من الفرائض واداء ما ضيع من حقوق الخلائق وجبران ما انتقص عليه من الوظائف والفضائل ، فعند ذلك يشمله العفو والمغفرة من عند رب المغفرة والعفو بفضله حسب وعده.
قال الله تعالى : ( الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ، أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ، إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
وفى مصباح الشريعة : قال الصادق عليهالسلام : التوبة حبل الله ومدد عنايته ، ولا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال ، وكل فرقة من العباد لهم توبة ، فتوبة الأنبياء من اضطراب السر ، وتوبة الاولياء من تلوين الخطرات ، وتوبة الاصفياء من التنفيس ،