بذلك جاءت الاخبار وعليه اجماع اهل الشرع والآثار ، وقد خالف فى هذا القول المعتزلة والخوارج وطائفة من الزيدية ، فزعم اكثر من سمّيناه ان ما ذكرناه من خلقهما من قسم الجائز دون الواجب ووقفوا فى الوارد به من الآثار ، وقال من بقى منهم باحالة خلقهما واختلفوا فى الاعتلال ، فقال ابو هاشم بن الجبائى : ان ذلك محال لانه لا بدّ من فناء العالم قبل نشره وفناء بعض الاجسام فناء لسائرها وقد انعقد الاجماع على ان الله تعالى لا يفنى الجنة والنار ، وقال الآخرون وهم المتقدمون كأبي هاشم : خلقهما فى هذا الوقت عبث لا معنى له والله تعالى لا يعبث فى فعله ولا يقع منه الفساد.
وقال الشهرستانى فى سرد آراء هشام بن عمرو الفوطى من مشايخ المعتزلة : ومن بدعه ان الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن اذ لا فائدة فى وجودهما وهما جميعا خاليتان ممن ينتفع ويتضرر بهما ، وبقيت هذه المسألة منه اعتقادا للمعتزلة
قول الشارح : احتج ابو هاشم الخ ـ توضيح ما ذكره الشارح هنا انه لا قائل بوجود إحداهما وعدم الاخرى ، بل القول قولان : وجودهما او عدمهما ، فان ثبت عدم الجنة الآن ثبت عدم النار بالاجماع ، والدليل عليه ان الجنة لو كانت الآن مخلوقة لوجب هلاكها وفناؤها فى القيامة حين يفنى الاشياء كلها ، والدليل على الملازمة قوله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) ، والتالى باطل لقوله تعالى : ( أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها ).
والجواب أولا ان دوام الاكل لا ينافى هلاكها لان المراد به دوامه بالنوع بخلق امثاله فالهلاك يرجع الى اشخاص المأكولات والدوام الى كل نوع منها ، وهذا الهلاك والدوام لا يختصان بوقت دون وقت ، بل فى كل وقت الى الابد يفنى مأكولات الجنة باكل اهلها فيخلق تعالى امثالها ، وثانيا ان هلاك كل شيء بحسبه ، فهلاك الجنة هو خروجها عن الانتفاع عند فناء المكلفين ، فلا ينافى الهلاك بهذا المعنى دوامها ، وثالثا يخصص الهلاك فى الآية بغير الجنة والنار جمعا بين الادلة ، ورابعا ان المراد بالهلاك الهلاك الذاتى اللازم للممكن ، وخامسا ان دوام الاكل لا يستلزم ان يكون ابتداؤه من الآن ، بل يبتدأ من حين نزول اهل الجنة فى الجنة ، فالآن موجود من دون الاكل