والعقل يحكم باستحالة ذلك كله بالبديهة وفى هذا الحكم لا بدّ للعقل ان يحضر الطرفين معا اى الثبوت واللاثبوت حتى يحكم باستحالة الاجتماع بينهما فاستشكل بان حضورهما عند العقل معا هو اجتماعهما فكيف يحكم باستحالته والجواب ان اجتماع صورتى النقيضين ليس باجتماع النقيضين والمستحيل هو الثانى الّذي هو ثبوت شيء فى ظرف ولا ثبوته فيه لا الاول الّذي هو ثبوت صورة شيء فى الذهن وثبوت صورة نقيضه فيه فان الثبوتين ليسا بمتقابلين لان انتقاش مفهوم الثبوت فى الذهن لا يزاحم انتقاش مفهوم اللاثبوت فيه بل التقابل بين انتقاش مفهوم فيه ولا انتقاش ذلك المفهوم بعينه.
ثم ان احضار صورة الثبوت وصورة اللاثبوت اما ان يكون باعتبار الثبوت واللاثبوت فى الخارج بان يحكم العقل بان ثبوت هذا الشيء فى الخارج ولا ثبوته فيه لا يجتمعان واما ان يكون باعتبارهما فى الذهن بان يحكم بان ثبوته فى الذهن ولا ثبوته فيه لا يجتمعان والى الاول اشار الشارح رحمهالله بقوله : فيتصور صورة ما الخ والى الثانى بقوله : وقد يتصور الذهن صورة ما الخ.
قول الشارح : بل بالاعتبار الّذي ذكرناه ـ اى اعتبار نفس الامر الشامل للخارج والذهن الّذي هو اعتبار نفس الثبوت واللاثبوت لا اعتبار حضور صورتيهما فى الذهن.
قول المصنف : وعدم العدم بان يمثل فى الذهن وبرفعه الخ ـ هذا جواب شبهة معروفة بشبهة العدم المطلق فان القوم قالوا : العدم المطلق لا يصح الحكم عليه فاستشكل عليهم بان هذا الكلام حكم عليه فيناقض مضمونه فاجيب بان العقل يمثل صورة العدم المطلق فى الذهن فيحكم عليه بعدم صحة الحكم عليه بمعنى ان هذا الثابت فى الذهن محكوم بعدم امكان الحكم عليه اذا رفع عن الذهن فالحكم عليه فى هذا الكلام باعتبار انه ثابت فى الذهن وعدم امكان الحكم عليه باعتبار رفعه عن الذهن وتصور هذا الرفع هو تصور عدم العدم المصحح لذلك الحكم والحاصل ان معنى قولنا : العدم المطلق يمتنع الحكم عليه ان هذا المفهوم المتمثل فى الذهن