أناط الماليّة وانتفاءها في الكلاب بجواز بيعها والعدم قائلاً : «لو أوصى بكلب الهراش لم تصحّ الوصيّة لأنّه ليس بمال ، ولا يجوز اقتناؤه ولا بيعه ولا هبته ، أمّا لو كان الكلب ممّا يحلّ اقتناؤه مثل كلب الصيد والماشية والزرع والحائط صحّت الوصيّة به إجماعاً لأنّ فيه نفعاً مباحاً وتقرّ اليد عليه ، والوصيّة تبرّع تصحّ في المال وغير المال من الحقوق ولأنّه تصحّ هبته فتصحّ الوصيّة به كالمال. ولو قال : أعطوه كلباً من كلابي ، فإن لم يكن له كلب مباح اقتناؤه بل كلّ كلابه كلاب الهراش بطلت الوصيّة ، ولو كان له كلاب يباح الانتفاع بها صحّت الوصيّة واعطي واحداً منها. وكذا لو قال : أعطوه كلباً من مالي ، فإن قلنا الكلب المباح اقتناؤه يصحّ بيعه وشراؤه كان مالاً وصحّت الوصيّة به ، وإن قلنا إنّه لا يصحّ بيعه فإنّه تصحّ الوصيّة به أيضاً وبه قال الشافعي وإن لم يكن الكلب مالاً لأنّ المنتفع به من الكلاب يصحّ اقتناؤه واعتبار أيدي المتداولة عليه كالأموال ويستعار له اسم المال بهذا الاعتبار ، بخلاف كلب الهراش فإنّ الوصيّة به باطلة سواء قال : أعطوه كلباً من كلابي ، أو من مالي ، لأنّه لا يصحّ ابتياع الكلب المذكور لأنّه لا قيمة له ولا يباح اقتناؤه ، فلا يعدّ مالاً حقيقة ولا مجازاً إلى آخر ما ذكره» (١).
ولو لا الإجماع على مملوكيّة رقبة هذه الكلاب المستفاد من تضاعيف كلماتهم خصوصاً تصريحهم بصحّة هبة هذه الكلاب الّتي يشترط في متعلّقها كونه عيناً مملوكة أمكن منع ابتناء حرمة الإتلاف والجناية وضمان الدية المقدّرة بل سائر الأحكام المذكورة عدا صحّة الهبة على ملك الرقبة لكفاية ملك المنافع المحلّلة في ذلك كلّه كما هو واضح. وربّما أمكن منع ابتناء الضمان وتحريم الإتلاف على ملك المنافع أيضاً ، لكفاية تعلّق حقّ الاختصاص ، فتأمّل.
الثالث : ظاهر كلمة الأصحاب جواز إجارة الكلاب الأربعة خصوصاً كلب الصيد ، وهو المعروف من مذهب الأصحاب في كلب الصيد كما في المصابيح (٢) بل ظاهر عبارة التذكرة (٣) إجماعهم عليه في الأربعة حيث لم ينسب الخلاف إلّا إلى بعض الشافعيّة ، والشيخ في الخلاف على ما حكي نسب الخلاف إلى بعض العامّة ولكنّه
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٤٨٣ كتاب الوصيّة.
(٢) مصابيح الأحكام : ١٢.
(٣) التذكرة ١٠ : ٢٨.