الّتي أقعدناها في ذيل مسألة المسكرات الجامدة ، بل هذه القاعدة أيضاً تنهض مدركاً آخر للحكم في مسألتنا هذه أيضاً.
ثمّ إنّ البيع بالنسبة إلى الصور المذكورة حيث يحرم يفسد على معنى أنّ تحريمه يلازم الفساد لتعلّق النهي به باعتبار المعوّض الّذي هو من أركان عقد المعاوضة ، ومن المقرّر أنّه ممّا يقتضي الفساد حتّى أنّه لو قلنا في الصورة الأخيرة بالتحريم أيضاً لزمه الفساد ، كما أنّه كذلك في الصورة الرابعة أيضاً وإن اختصّ التحريم بالبائع لأنّ الفساد من جانب واحد يستلزمه من الجانب الآخر ، لأنّ تبعّض العقد في الصحّة والفساد بالنسبة إلى الجانبين غير معقول.
وممّا يمكن أن يحتجّ به على الفساد الإجماع حيث ثبت على التحريم لظهور عباراتهم بل صريح جملة منها في الملازمة بينهما ، فالإجماع على التحريم إجماع على الفساد ، ولعلّه لأجل قاعدة اقتضاء النهي حسبما بيّنّاه ، مضافاً إلى قوله : «أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد» بناءً على عمومه لما نحن فيه كما سبق لدلالته على الحكم تكليفاً ووضعاً ، مضافاً إلى قوله عزّ من قائل : «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» (١) بتقريب أنّ أخذ الثمن المبذول بإزاء المبيع المحصور في البيع في المنفعة المحرّمة المبغوضة للشارع الساقطة في نظره والتصرّف فيه ، أكل للمال بسبب الباطل ، ولا يكون إلّا من جهة عدم انتقاله بالعقد إلى البائع.
وتوهّم : أنّه داخل في المستثنى لكونه من التجارة عن تراضٍ فلا يتناول حكم المستثنى منه للثمن ، يدفعه : أنّ التراضي الموجب للصحّة في التجارة هو الّذي أمضاه الشارع لا مطلق التراضي ، ولذا لا يصحّ البيع الربوي وبيع الخمر والميتة وغيرها من الأعيان النجسة وغيرها ممّا يحرم التكسّب ، فهو فيما نحن فيه غير مجدٍ في الصحّة ، فيكون الثمن الصائر إلى البائع مندرجاً في حكم المستثنى منه.
ويؤيّد الجميع النصوص الواردة في بيع الجارية المغنّية وشرائها الدالّة على فساده باعتبار ما في بعضها من «أنّ ثمن المغنّية حرام» (٢) وفي البعض الآخر «ثمن الكلب
__________________
(١) البقرة : ١٨٨.
(٢) الوسائل ١٧ : ١٢٣ / ٣ ، ب ١٦ ما يكتسب به ، إكمال الدين : ٤٨٣ / ٤.