كلام المعظم القائلين بالجواز على كراهية ، ولذا يعبّرون عن عنوان المسألة ببيع العنب والخشب ممّن يعلم أنّه يعملهما خمراً أو صنماً مثلاً اقتصاراً في الحكم المخالف للأصل على مقدار دلالة النصّ.
ولا ريب أنّ ظاهر الخبرين حيث ذكر فيهما «باعه ممّن يتّخذه صلباناً» أو «أبيعه ممّن يصنع الصليب أو الصنم» إنّما هو علم البائع بأنّه يتّخذ أو يصنع ، مع أنّ الموجود في نبذة من الأخبار المتقدّمة إنّما هو العلم بأنّه يفعله فالجواز بالمعنى الأعمّ المحمول عليه هذه الأخبار مقيّد به.
ثمّ إنّ البيع ممّن يصنعه خمراً إذا كان عصيراً فالمستفاد من جمله من النصوص المتقدّمة كراهة تأخير قبض ثمنه إلى ما بعد صيرورته خمراً ، وفي الأخير منها تعليله بأن لا يكون مع التأخير آخذ ثمن الخمر ، وهذا تشبيه لأدنى ملابسة ، وإلّا فالثمن ثمن عصير حقيقة وقد انتقل إلى ملك البائع بالعقد ، غاية الأمر أنّه تأخّر قبضه.
ثمّ إنّه بقي من أطراف المسألة دقيقة أشرنا إليه سابقاً عند منع منافاة الجواز هنا لوجوب النهي عن المنكر ، وتوضيحها أنّ بيع العنب أو الخشب أو غيرهما ممّن يعلم أنّه يصرفه في المحرّم ويعمله خمراً أو صنماً أو غيرهما بالقياس إلى تركه له صور : فقد يكون ترك هذا البائع للبيع سبباً وعلّة تامّة لترك المشتري وارتداعه عن المعصية ، وقد يكون السبب لتركه وارتداعه المجموع من تركه وترك الآخرين ممّن عندهم العنب أو الخشب أو غيره البيع وضابط الوجهين انحصار جنس هذا المبيع فيما عند هذا البائع وعدم انحصاره فيه ، وعلى التقدير الثاني فقد يعلم هذا البائع بقيام الآخرين بترك البيع من هذا المشتري ، وقد يحتمله احتمالاً راجحاً كما لو ظنّ ذلك ، أو مساوياً كما لو شكّ فيه ، أو مرجوحاً كما لو ظنّ العدم ، وقد يعلم عدم قيامهم بترك البيع. وهذه صور ستّ لا يتمّ الجواز إلّا في الصورة الأخيرة ، والمتّجه في غيرها المنع والحرمة لعموم وجوب الردع عن المعصية ، مع العلم بتأثير ترك هذا البيع على أنّه علّة تامّة لارتداع المشتري أو أنّه جزء للعلّة أو احتماله ولو مرجوحاً.
وتوهّم : عموم الجواز لجميع الصور المذكورة من إطلاق النصوص المجوّزة مع