لأنّ الحبّة والعودة بعض من الكلّ وهو عبارة عن الهيئة الحاصلة من انضمام الأبعاض بعضها إلى بعض وله قيمة متقوّمة بتلك الهيئة ، فيكون لكلّ من أبعاضه قيمة بنسبة قيمة الكلّ ، غاية الأمر أنّه قد يبلغ البعض في القلّة إلى ما لا وجود لقيمته ، وعلى هذا فلكلّ من الحبّة والعودة قيمة بخلاف الحشرات الّتي لا قيمة لأصل نوعها حتّى في ضمن الكثير.
قلت : المقصود من التعليلات التنبيه على انتفاء الماليّة وعليها مدار الصحّة ، ولا ريب أنّ الحبّة والعودة لا تعدّ مالاً في نظر العقلاء ولا تقابل بالمال وإن فرض لها قيمة بحسب الواقع.
لا يقال : إنّ من العقود الصحيحة بالنصّ والإجماع بيع المحاباة وصلح المحاباة ، ومن المعلوم أنّ المحاباة كما تجري في جانب البائع وهو أن يبيع عينه بأقلّ من ثمن المثل ، فكذلك تجري من جانب المشتري وهو أن يشتري العين بأزيد من ثمن المثل ، ومن الجائز أن يبذل المشتري في الحبّة والعودة في مقابلها من الثمن ما يمكن (١) عنه ويوجد في الخارج ، غاية الأمر كونه أزيد من قيمة المثل ولا ضير فيه لكونه حينئذٍ من بيع المحاباة أو صلح المحاباة من طرف المشتري أو المتصالح وهو صحيح.
لأنّا نقول : إنّ العقد في محلّ المحاباة بيعاً أو صلحاً إنّما يصحّ لكون العين ممّا يحصل فيه المنفعة المقصودة من النوع ، وضابطه عدم كون المعاملة سفهيّة بعدم كون بذل المال بإزائها فعلاً سفهيّاً ، ومفروض المقام عدم حصول المنفعة المقصودة من النوع في الشخص فيكون بذل المال في مقابل العين حينئذٍ سفهاً.
ثانيها : قد يلحق بما لا قيمة له لخسّته أو لقلّته ما ليس له قيمة لكثرته كالقربة من الماء في شاطئ النهر أو ساحل البحر ، والمنّ من الحطب مثلاً في الغابات ، وباقة من الحشيش في صحراء ذات حشيش ، وباقة قصب في الآجام ، فإنّ هذه الأشياء أيضاً لا تقابل بالمال لكثرة أمثالها ، فينبغي أن لا يصحّ فيها البيع ولا غيره من أنواع التكسّب.
وفيه : نظر ، لمنع إطلاق الحكم واطّراده ، فإنّ الجهة المقتضية للمنع في المقام إمّا الإجماع محصّلاً ومنقولاً ، أو انتفاء المقصودة للعقلاء ، أو عدم الملكيّة ، أو عدم الماليّة ،
__________________
(١) هنا كلمة غير مقروءة.