التكليف المذكور ليس تكليفاً حقيقيّاً بل هو نحو من التكليف الابتلائي ، ويقصد به توجيه العذاب والعقاب إلى المصوّر على ترك النفخ ومخالفته ، ولو كان لعدم القدرة على الفعل والإطاعة والعرض الأصلي منه تشديد العذاب وتغليظ العقاب حيث علّق رفعه على أمر غير مقدور فيدوم دوام عدم القدرة عليه ، وكلّ ذلك من آثار العصيان الاختياري الصادر منه في دار الدنيا فيكون من آثار الاختيار فلا قبح فيه.
وقد يدفع الإشكال بأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
وردّ بأنّ مورد هذه القضيّة هو الممتنع بالامتناع العرضي الّذي كان عروض الامتناع مسبّباً عن اختيار المكلّف كالوضوء ممّن قطع مواضع وضوئه ، وهو فيما نحن فيه ليس كذلك ، لأنّ امتناع نفخ الروح ذاتي.
ويدفعه منع اختصاص هذه القاعدة عند قائلها بالممتنع العرضي بل يجرونها في غيره ، ومرادهم بها أنّ التكليف بالممتنع الّذي تسبّب ذلك التكليف من اختيار المكلّف لا قبح فيه ، من غير فرق فيه بين الممتنع العرضي الّذي عروض الامتناع كان من اختيار المكلّف وغيره. ولذا تراهم يجرونها فيمن توسّط دار قوم غصباً وعدواناً فقالوا : إنّه مأمور بالخروج ومنهيّ عنه ، مع أنّ الجمع بين الخروج وعدمه جمع بين المتناقضين وهو ممتنع ذاتاً ، واعتذروا له بأنّ المكلّف صار نفسه سبباً للتكليف بالممتنع حيث دخل الدار عصياناً باختياره.
والّذي يسهل الخطب في دفع الكلام المذكور هو أنّ التكليف بالنفخ ليس على حقيقة التكليف ، بل هو كناية عن تشديد العذاب وتغليظ العقاب حسبما بيّنّاه ، ولذا ذكر في رواية ابن مروان «يعذّب حتّى ينفخ فيها» وفي رواية الخصال «عذّب وكلّف أن ينفخ فيها» (١) ولو تحقّق معه صورة تكليف فهو نحو من التكليف الابتلاء في الّذي لا يقصد منه إلّا تشديد العذاب وتغليظ العقاب.
وهل الحكم يتعدّى إلى صور غير ذات الروح ـ كالشجر والنخلة والرياحين والشمس والقمر وغيرها ـ أو لا؟ قولان ، نسب ثانيهما في الرياض (٢) إلى جماعة
__________________
(١) الخصال : ١٠٩ / ٧٧.
(٢) الرياض ٨ : ١٥٢.