وهذه الحيثيّة كما ترى لا مدخليّة لها في التحريم من الجهة الاولى ، ومرجع تحريمهما حينئذٍ إلى مبغوضيّة كلّ من المعوّض والعوض للشارع ، أمّا مبغوضيّة المعوّض فلمفسدة في ذاته ، وأمّا مبغوضيّة العوض فلمفسدة العوضيّة عن ذي المفسدة الذاتيّة ، ومن المعلوم أنّ مبغوضيّة العوضين تقضي بمبغوضيّة التعويض والمعاوضة ، فيكون أصل المعاملة الواقعة على الأعيان المحرّمة الّتي منها الأعيان النجسة محرّماً بمقتضى الملازمة المستفادة من الرواية.
ومن الروايات النبويّة قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث جابر بن عبد الله : «إنّ الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم حرّما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، قيل يا رسول الله : أرأيت شحوم الميتة أنّها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال : لا ، هو حرام ، ثمّ قال : قاتل الله اليهود إنّ الله لمّا حرّم عليهم شحومها جملوها (١) ثمّ باعوها فأكلوا ثمنه» (٢). وفي المصابيح (٣) أوردها في الخلاف (٤) والمنتهى (٥).
وفي الإيضاح (٦) والغوالي (٧) أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم «قال : لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشحوم فباعوها فأكلوا أثمانها».
وهذه إمّا رواية اخرى أو نسخة اخرى من الرواية الاولى مكان قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «قاتل اليهود» الخ. وقوله «أرأيت شحوم الميتة» أي بيع شحوم الميتة للمنافع الثلاث المذكورة بقرينة انسياق وتذكير الضمير في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «هو حرام» أي بيع شحوم الميتة للمنافع المذكورة ، وظاهر الرواية أنّه ليس للميتة وشحومها جهة محلّلة بل جميع منافعهما محرّمة وإلّا لم يكونوا جملوها للبيع بل كانوا يمسكونها للانتفاع بها في الجهات المحلّلة.
وكيف كان ففي الرواية مواضع ثلاث من الدلالة كما يظهر بأدنى تأمّل. ثمّ لو انجبر ضعفها سنداً باعتماد الشيخ والعلّامة في الخلاف والمنتهى ، أو هو مع اعتماد الإيضاح
__________________
(١) جملت الشحم : إذا أذبته واستخرجت دهنه (النهاية ابن الأثير ١ : ٢٩٨ جمل).
(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٢٠ / ٧١ ، سنن الترمذي ٢ : ٥٩١ / ١٢٩٧ ، سنن النسائي ٧ : ٣٠٩.
(٣) مصابيح الأحكام : ٥.
(٤) الخلاف ٣ : ١٨٦.
(٥) المنتهى ٢ : ١٠١٠.
(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٤٠٢.
(٧) عوالي اللآلي ١ : ١٨١ / ٢٤٠.