الرجال ... إلى أن قال : وعلى هذا فلا بأس بالتغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّة والنار والتشويق إلى دار القرار ، ووصف نعم الملك الجبّار ، وذكر العبادات والرغبات في الخيرات والزهد في الفانيات ... إلى أن قال : وبالجملة فلا يخفى على أهل الحجج بعد سماع هذه الأخبار تميّز حقّ الغناء عن باطله ، وأنّ أكثر ما يتغنّى به الصوفيّة في محافلهم من قبيل الباطل» (١) انتهى.
وقيل : إنّ هذا القول تبع منه للغزالي. وربّما يظهر الموافقة له من صاحب الكفاية (٢) في أحد الوجهين اللذين ذكرهما في وجه الجمع بين الأخبار الّتي توهّم بينها التعارض وستعرف عبارته.
وأورد عليه بعض مشايخنا بأنّ الغناء على ما استفدناه من الأخبار بل فتاوي الأصحاب ، وقول أهل اللغة هو من الملاهي ، نظير ضرب الأوتار والنفخ في القصب والمزمار ، وقد تقدّم التصريح بذلك في رواية الأعمش الواردة في الكبائر ، وهي قوله عليهالسلام : «والملاهي الّتي تصدّ عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار» (٣) فلا يحتاج في حرمته إلى أن يقترن بالمحرّمات الاخر (٤).
أقول : ويرد عليه مضافاً إلى ذلك أنّه لو لم يكن الغناء في نفسه محرّماً فاقترانه بالمحرّمات أيضاً لا يوجب تحريمه إذ لا ملازمة أصلاً ، وربّما يحتمل كون بناء كلامهما على تفسير الغناء بالصوت الحسن كما يظهر القول به من الشافعي حيث فسّره بتحسين الصوت وترقيقه ، وربّما يومئ إليه أيضاً ما عن الصحاح في تفسير التطريب من أنّ التطريب في الصوت تحسينه ومدّه.
ويزيّفه أيضاً ما أشرنا إليه سابقاً ، من أنّ مطلق الصوت الحسن لا يسمّى غناءً ، وأنّ مجرّد الحسن لا يكفي في تحقّقه ، وأنّه لا قائل بحرمة مطلق الصوت الحسن كيف وهو في الشرع من صفات المدح ، والأخبار في مدحه ومدح صاحبه وأنّه من أجمل الجمال
__________________
(١) الوافي ١٧ : ٢١٨ ـ ٢٢٣.
(٢) الكفاية : ٨٦.
(٣) الوسائل ١٥ : ٣٣١ / ٣٦ ، ب ٤٦ جهاد النفس ، الخصال : ٦١٠.
(٤) المكاسب للشيخ الأنصاري ١ : ٣٠٢.