ولا ظهوراً ولا خصوصاً ولا عموماً على شيء من جواز الغناء ولا استحبابه في القرآن. ودعوى عدم انفكاك تحسين الصوت أو ترجيعه عن الغناء غير مسموعة ، بل ضرورة العيان والوجدان تشهد ببطلانها حيث لا يلازم شيء منهما البلوغ حدّ الصوت اللهوي ولا التطريب اللذين أحدهما ضابط الغناء.
فإن قلت : الصوت الحسن على ما ذكرت بمفهومه أعمّ ممّا يتحقّق فيه الغناء وما لا يتحقّق فله فردان ، وعموم الجواز والاستحباب المستفاد من الأخبار المذكورة يشملهما ، غاية ما هنالك كون النسبة بين هذه الأخبار وأخبار تحريم الغناء عموم من وجه ، فتخصّص أخبار التحريم بغير القرآن لأصالة الإباحة فيه.
قلت : مع أنّ أصل الإباحة في تعارض العامّين من وجه لا يصلح شاهداً لإرجاع التخصيص إلى ما يخالفه وأنّ شواهد إرجاعه إلى أخبار الجواز والاستحباب من الأكثريّة وأظهريّة الدلالة والشهرة وموافقة الإجماع محصّلاً ومنقولاً وموافقة الكتاب وغير ذلك متكاثرة أصل التعارض مع فرض العموم على الوجه المذكور ممنوع.
وسند المنع أنّ أدلّة استحباب المستحبّات ـ كغسل الجمعة ، وإدخال السرور في قلب المؤمن ، وإجابة المؤمن ، وقضاء حاجته ، ونحو ذلك ـ وأدلّة إباحة المباحة كلحم الغنم وشرب الماء ، وأدلّة كراهة المكروهات كالطهارة بالماء المشمّس ونحو ذلك إنّما أفادت هذه الأحكام في مواردها من حيث خلوّها عن الجهات الملزمة للفعل أو الترك ، فما طرأه جهة ملزمة لفعله أو جهة ملزمة لتركه فهو خارج من هذه الموارد خروجاً موضوعيّاً ، فلا ينافي الوجوب أو الحرمة المستفاد من أدلّة هذه الجهات للأحكام الثلاث المذكورة التابعة لخلوّ مواردها عن تلك الجهات ، وهذا هو معنى عدم المعارضة بين أدلّة هذه الأحكام وأدلّة الوجوب أو الحرمة التابعين للجهات الطارئة لموارد هذه الأحكام ، ولذا قد يجب غسل الجمعة لأجل النذر ، وقد يحرم إذا تضمّن ضرراً أو مع مظنّة الضرر ، أو لمغصوبيّة الماء أو نجاسته مع الانحصار ، وقد يحرم إدخال السرور وإجابة المؤمن لجهة اللواط أو الزنا ، ويحرم أكل لحم الغنم وشرب الماء للضرر أو المغصوبيّة أو النجاسة ، وكذلك الطهارة بالماء المشمّس.