المذكور في تلك الأخبار الغناء والمفرد المعرّف باللام لا يدلّ على العموم لغةً ، وعمومه إنّما يستنبط من حيث إنّه لا قرينة على إرادة الخاصّ ، وإرادة بعض الأفراد من غير تعيين ينافي غرض الإفادة وسياق البيان والحكمة فلا بدّ من حمله على الاستغراق والعموم ، وهاهنا ليس كذلك لأنّ الشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجواري المغنّيات وغيرهنّ في مجالس الفجور والخمور وغيرها. فحمل المفرد على تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد. وفي عدّة من تلك الأخبار إشعار بكونه لهواً باطلاً ، وصدق ذلك في القرآن والدعوات والأذكار المقروءة بالأصوات الطيّبة المذكّرة للآخرة والمهيّجة للأشواق إلى عالم القدس محلّ تأمّل. فإن ثبت إجماع في غير الغناء على سبيل اللهو كان متّبعاً وإلّا كان حكمه على أصل الإباحة ، وطريق الاحتياط واضح (١) انتهى.
ويندفع ما ذكره في الوجه الثاني بأنّ المفرد المعرّف باللام حقيقة في تعريف الجنس ، والشيوع الموجب لانصرافه إلى ما ادّعى شيوعه غير معلوم ، والأصل في الاستعمال الحقيقة ، وتعليق التحريم إلى الطبيعة يقتضي حرمة جميع أفرادها إلّا ما خرج منها بالدليل ، فدعوى بقاء غير الغناء على سبيل اللهو تحت أصل الإباحة غير سديد.
على أنّا نقول ـ بناءً على ما تقدّم تحقيقه عند البحث في موضوع الغناء ـ إنّ الغناء ليس إلّا من جنس الصوت اللهويّ الّذي يرغب إليه أهل الفسق والطرب ، ومقتضى الأدلّة خصوصاً قوله في صحيحة محمّد بن مسلم «الغناء ما وعد الله عليه النار» كون الصوت اللهويّ بطبيعته مبغوضة للشارع ، وعلى هذا فمادّة القراءة بالغناء مبغوضة محرّمة ، وخصوصيّة الهيئة القرآنية الطارئة لها لا يخرجها عن المبغوضيّة والتحريم وإن لم يصدق على القراءة باعتبار عنوان القرآنيّة عنوان اللهويّة ، إذ من الواضح أنّه يصحّ القول بأنّ القرآن يقرأ بصوت لهويّ ، كما يقال : إنّه يقرأ بالغناء وإن لم يكن نفس القراءة لهواً.
وأمّا الوجه الأوّل : فيندفع أيضاً بمنع معارضة أخبار استحباب حسن الصوت وتحسينه في القرآن لأخبار تحريم الغناء وسائر أدلّته بوجه ، إذ لا دلالة فيها صراحة
__________________
(١) الكفاية : ٨٥ ـ ٨٦.