ومنها : قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (١) ولا ريب أنّ الهجاء إشاعة للفاحشة ، وإذا كانت محبّته محرّمة فنفسه أولى بالتحريم.
وأمّا السنّة فكلّما دلّ ـ من النصوص المتكاثرة القريبة من المتواترة ـ على تحريم الغيبة وتوعيد العذاب عليه يدلّ على تحريم هجاء المؤمنين أيضاً إمّا بالنطق إن جعلناه نوعاً منها ، أو بالفحوى إن جعلناه خارجاً عنها ، وحيث إنّ الأظهر في النظر القاصر كونه منها في الجملة كما ستعرفه في شرح الغيبة وبيان النسبة بينها وبين الهجاء ، فلا نطيل الكلام بإيراد الأخبار هنا مستوفاة لعدم رجوعه إلى طائل بعد لحوق ذكرها في عنوان الغيبة ، فنقتصر هنا في تقرير الأدلّة على ما ذكرناه ثمّ نردفه بالتعرّض لذكر موضوع الهجاء.
فنقول : فسّره جماعة منهم الشهيد الثاني في المسالك (٢) والمحقّق الثاني في جامع المقاصد (٣) والسيّد في الرياض (٤) بذكر معائبهم بالشعر ، ولعلّهم أخذوه من شيوع إطلاقه في العرف على هذا المعنى ، أو من القاموس حيث ذكر «هجاه هجواً وهِجاءً شتمه بالشعر» (٥) ونسب نحوه إلى النهاية (٦) الأثيريّة والمصباح المنير (٧) وفي القاموس (٨) فسّر الشتم بالسبّ والسبّ بالشمّ فهما والهجاء ألفاظ مترادفة ، وذكر في المجمع «إنّ الشتم السبّ بأن تصف الشيء بما هو ازراء ونقص» (٩) والإزراء الغيب ، فحاصل معنى الشتم والسبّ وصف الشيء بعيوبه فيرجع إلى ذكر المعايب بالشعر. فكلام هؤلاء يقتضي عدم تحقّق الهجاء في النثر.
لكنّ المحكيّ عن الصحاح كما في المجمع تفسير الهجاء بخلاف المدح. والظاهر أنّ خلاف المدح هو الذمّ ، فيكون الهجاء عبارة عن الذمّ. وفي المجمع «ذمّه عابه» يرجع إلى ذكر المعايب. وإطلاقهما يقتضي كونه أعمّ من ذكرها بالشعر أو بالنثر ، وعموم الأدلّة
__________________
(١) النور : ١٩. (٢) المسالك ٣ : ١٢٧.
(٣) جامع المقاصد ٤ : ٢٦.
(٤) الرياض ٨ : ١٦٢.
(٥) القاموس ٤ : ٤٠٢.
(٦) النهاية الأثيريّة ٥ : ٢٤٨.
(٧) المصباح المنير ١ : ٣٦٧.
(٨) القاموس ٤ : ١٣٥.
(٩) مجمع البحرين ٢ : ٩٢٩.