السعادات (١) فقالوا : «إنّ الغيبة لا تنحصر باللسان ، بل كلّما يفهم نقصان الغير ويعرّف ما يكرهه فهو غيبة سواء كان بالقول أو الفعل أو التصريح أو التعريض أو الإشارة أو الإيماء أو الغمز أو الرمز أو الكتابة أو الحركة» (٢).
أقول : إن أرادوا في الحكم باعتبار كونه إشاعة لسرّ المؤمن أو تعرّضاً لعرضه وعورته أو إيذاءً له عملاً بعموم قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (٣) وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام «عورة المؤمن على المؤمن حرام قال : نعم ، قلت : تعني سفلتيه؟ قال : ليس حيث تذهب إنّما هو إذاعة سرّه» (٤) والمرويّ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم «من آذى مؤمناً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله فهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان» (٥) فلا نزاع معهم.
وإن أرادوا في الاسم أيضاً فهو لمخالفته لما عرفت مردود عليهم ، مع عدم ما يشهد لهم ممّا يمكن التعويل ويصحّح التأويل في النصوص الكثيرة المعتبرة ، ويجوز طرح جملة من كلام أهل اللغة. واحتمال كون المراد من الذكر ما يوجب التذكّر أو مطلق الإفهام والإعلام والتنبيه ـ مع عدم جريانه فيما عبّر فيه بالتكلّم أو القول ومخالفته للتفسير المتقدّم في الرواية ـ بعيد لا يصار إليه بدون صارف معتبر. والاستدلال عليه بصدق الاسم عرفاً والاستعمالات الدائرة في العرف ضعيف ، لتطرّق المنع إلى صغراه وكبراه من حيث إنّ الاستعمال لو سلّمناه أعمّ من الحقيقة.
وأضعف منه الاستدلال بما روى من «أنّه دخلت امرأة قصيرة على عائشة ، فلمّا ولّت أومأت بيدها ـ أي هي قصيرة ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : قد اغتبتها» (٦) للقدح في سندها أوّلاً ، ومنع دلالتها ثانياً ، إذ ليس فيها إلّا استعمال محتمل للتشبيه والاستعارة ، فيكون أعمّ بل يتعيّن الحمل عليه جمعاً.
وأضعف منه أيضاً الاستدلال بأنّ الذكر باللسان غيبة محرّمة ليفهمه الغير نقصان
__________________
(١) جامع السعادات ٢ : ٣٠٥.
(٢) المستند ١٤ : ١٦٣.
(٣) النور : ١٩.
(٤) الوسائل ١٢ : ٢٩٤ / ١ ، ب ١٥٧ أحكام العشرة ، الكافي ٦ : ٢٦٧ / ٢.
(٥) مستدرك الوسائل ٩ : ٩٩ ١ / ، ب ١٢٥ أحكام العشرة ، جامع الأخبار : ١٤٧.
(٦) مسند أحمد ٦ : ١٣٦.