ومنه يعلم الحكم في الموارد الخلافيّة بين المتكلّم والمستمع كغيبة الفاسق الغير المتجاهر إذا كان القائل معتقداً لجوازها لاجتهاد أو تقليد والمستمع يعتقد عدم جوازها كذلك ، فإنّها في حقّ القائل تحمل على الصحّة الغير المنافية لعدالته لوجوب إنفاذ اجتهاد المجتهد وتقليد مقلّده الثابت بالإجماع والضرورة من الدين ، نعم يحرم عليه استماعها لاعتقاده فيها بالحرمة الواقعيّة.
وأمّا الجهة الثانية فالوجه فيها جواز استماع الغيبة المفروضة عملاً بأصالة البراءة في الشبهة الموضوعيّة.
وأمّا الجهة الثالثة ففي وجوب الردّ وعدمه وجهان ، مبنيّان على أنّ وجوب ردّ الغيبة هل هو من باب وجوب النهي عن المنكر فالمتّجه عدم الوجوب لعدم كون المنكريّة محرز ، أو من باب وجوب رعاية حقّ المؤمن المتوقّفة على ردّ غيبته لرجوع الشكّ إلى استحقاق المغتاب لتلك الغيبة ومعناه الشكّ في أنّ الشارع أسقط في تلك الواقعة حقّه الواجب رعايته على المستمع أو لا؟ والأصل العدم فالمتّجه حينئذٍ وجوب الردّ.
وهذا وإن كان يقوى في ظاهر النظر ، لأنّ المستفاد من أدلّة وجوب ردّ الغيبة والأخبار الواردة فيه كونه لأجل أنّه من حقوق المؤاخاة الحاصلة بين المسلمين ، ولكن يضعّف بأنّ الأصل المذكور معارض بمثله لأنّ المتكلّم أيضاً ممّن يجب رعاية حقّه ، ولا ريب أنّ ردّ الغيبة عليه وردعه عنها هتك لاحترامه وكسر لقلبه وتخفيف له لو كان بمشهد من الناس ويشكّ في استحقاقه لهذه الحزازات ، ومعناه الشكّ في أنّ الشارع أسقط حقّه لأجل هذه الغيبة أو لا؟ والأصل عدمه ، فيتعارض الأصلان ، ويبقى أصل البراءة سليماً عمّا يوجب الانصراف عنه. ويؤيّده أنّ المستفاد من أدلّة حرمة الاستماع وأدلّة وجوب الردّ أنّ بينهما ملازمة في الوجود والعدم ، فحيث حرم الاستماع وجب الردّ أيضاً وإلّا فلا.
ثمّ اعلم أنّ ما ذكرناه في حكم الصورة الثانية من الصور الخمس من جواز استماع الغيبة ليس على إطلاقه بحيث يكون جارياً في جميع المستثنيات بل هو مقصور على بعضها ، فإنّ في جرح الشاهد لا يجوز الاستماع لغير الحاكم ، وفي نصح المستشير لغير المستشير ، وفي التظلّم لغير من يرجى إزالة المظلمة إن قيّدناه بكونه عند من يرجو إزالة