أقول : يمكن أن يكون وجهه أنّ ترك الردّ الغيبة والسكوت على فاعلها يتضمّن الإخلال بواجبات عديدة والدخول في محرّمات كثيرة متصادقة عليه لجهات مجتمعة فيه ، فإنّ الردّ واجب وتركه معصية وهو يوجب تحقّق الاستماع لا للردّ وهو معصية اخرى ، ويتضمّن الإخلال بالنهي عن المنكر وهو معصية ثالثة ، ويكون من الحمل على المنكر على معنى تقرير فاعل المنكر على منكره وهو معصية رابعة ، ويندرج في الإعانة على الإثم باعتبار أدائه إلى جرأة الفاعل وإصراره على الإثم وهو معصية خامسة ، وقد يتضمّن محبّة شيوع فاحشة المغتاب فيندرج في قوله تعالى : و «الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا» (١) وهو معصية سادسة ، وقد يتحقّق معه الركون إلى الظالم على معنى الميل إليه ، وفاعل الغيبة ظالم فيندرج في قوله تعالى : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (٢) وهو معصية سابعة ، وربّما يتحقّق في نفسه الرضا بعمل الفاعل فيندرج في الأخبار الدالّة على «أنّ الراضي بعمل قوم كالداخل معهم» (٣) وهو معصية ثامنة ، ومع هذا كلّه فالعلم عند الله فإنّ الحكم الخفيّة لا يعلمها إلّا الله.
ثمّ إنّ وجوب ردّ الغيبة ليس لأمر يرجع إلى المتكلّم وهو النهي عن المنكر بقول «لا تغتب» بل لأمر يرجع إلى المغتاب وهو الانتصار له ودفع الغيبة عنه ، ولذا عبّر في الأخبار الواردة فيه تارة بالردّ ، واخرى بالنصر ، وثالثة بالدفع ، ورابعة بالذبّ عنه ، وكيفيّته فيما لو كان الاغتياب بذكر عيب دنيوي في بدن المغتاب أو خلقه أو غير ذلك أن يقول : العيب ما عابه الله سبحانه وليس إلّا المعاصي وذكرك إيّاه أكبرها ، وفيما لو كان عيباً دينيّاً كالمعصية فإن كان قابلاً للتوجيه بإرجاعه إلى إحدى المحامل الصحيحة بحيث يخرج عن المعصية يبادر إليه ، وإلّا فيقول في ردّه : إنّ الإنسان ليس بمعصوم وقد يستولي عليه الشيطان ، ويغلب عليه النفس الأمّارة ، كما هو شأنك في اغتيابك هذا ، ولعلّه أعظم من معصيته ، ومن حقوقه أن تستغفر له لا أن تعيّره وتعيّبه ، ويلزم منه عيب فيك أعظم من معصيته.
__________________
(١) النور : ١٩.
(٢) هود : ١١٣.
(٣) الوسائل ١٦ : ١٤١ / ١٢ ، ب ٥ أبواب الأمر والنهي ، نهج البلاغة ١٩١ / ١٥٤.